البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (14)

الطري : فعيل من طرو يطر ، وطراوة مثل سر ويسر سراوة . وقال الفراء : طري يطري طراء وطراوة مثل : شقى ، يشقى ، شقاء ، وشقاوة . المخر : شق الماء من يمين وشمال ، يقال : مخر الماء الأرض . وقال الفراء : صوت جرى الفلك بالرياح ، وقيل : الصوت الذي يكون من هبوب الريح إذا اشتدت ، وقد يكون من السفينة ونحوها .

لما ذكر تعالى الاستدلال بما ذرأ في الأرض ، ذكر ما امتن به من تسخير البحر .

ومعنى تسخيره : كونه يتمكن الناس من الانتفاع به للركوب في المصالح ، وللغوص في استخراج ما فيه ، وللاصطياد لما فيه .

والبحر جنس يشمل الملح والعذب ، وبدأ أولاً من منافعه بما هو الأهم وهو الأكل ، ومنه على حذف مضاف أي : لتأكلوا من حيوانه طرياً ، ثم ثنى بما يتزين به وهو الحلية من اللؤلؤ والمرجان ، ونبه على غاية الحلية وهو اللبس .

وفيه منافع غير اللبس ، فاللحم الطري من الملح والعذب ، والحلية من الملح .

وقيل : إنّ العذب يخرج منه لؤلؤ لا يلبس إلا قليلاً وإنما يتداوى به ، ويقال : إنّ في الزمرد بحرياً ، فأما لتأكلوا فعام في النساء والرجال ، وأما تلبسونها فخاص بالنساء .

والمعنى : يلبسها نساؤكم .

وأسند اللبس إلى الذكور ، لأنّ النساء إنما يتزيَّن بالحلية من أجل رجالهن ، فكأنها زينتهم ولباسهم .

ولما ذكر تعالى نعمة الأكل منه والاستخراج للحلية ، ذكر نعمة تصرف الفلك فيه ماخرة أي : شاقة فيه ، أو ذات صوت لشق الماء لحمل الأمتعة والأقوات للتجارة وغيرها ، وأسند الرؤية إلى المخاطب المفرد فقال : وترى ، وجعلها جملة معترضة بين التعليلين : تعليل الاستخراج ، وتعليل الابتغاء ، فلذلك عدل عن جمع المخاطب ، والظاهر عطف ، ولتبتغوا على التعليل قبله كما أشرنا إليه .

وأجاز ابن الأنباري أن يكون معطوفاً على علة محذوفة أي : لتبتغوا بذلك .

ولتبتغوا ، وأن يكون على إضمار فعل أي : وفعل ذلك لتبتغوا .

والفضل هنا حصول الأرباح بالتجارة ، والوصول إلى البلاد الشاسعة ، وفي هذا دليل على جواز ركوب البحر .

ولعلكم تشكرون ، على ما منحكم من هذه النعم .