الإِعجاب : افعال من العجب وأصله ، لما لم يكن مثله قاله المفضل ، وهو الاستحسان للشيء والميل إليه والتعظيم ، تقول أعجبني زيد .
والهمزة فيه للتعدّي ، وقال الراغب : العجب حيرة تعرض للإِنسان بسبب الشيء وليس هو شيئاً له في ذاته حالة ، بل هو بحسب الإِضافات إلى من يعرف السبب ، ومن لا يعرفه .
وحقيقة أعجبني كذا أي : ظهر لي ظهوراً لم أعرف سببه .
وقد يقال عجبت من كذا في الإِنكار ، كما قال زياد الأعجم :
اللدد : شدّة الخصومة ، يقال : لددت تلد لدداً ولدادة ، ورجل ألدّ وامرأة لدّاء ، ورجال ونساء لدّ ، ورجل التدد ويلتدد أيضاً شديد الخصومة ، وإذا غلب خصمه قيل : لدّه يلدّه ، متعدياً ، وقال الراجز :
واشتقاقه من لديدي العنق ، وهما : صفحتاه ، قاله الزجاج ، وقيل : من لديدي الوادي وهما جانباه ، سميا بذلك لإعوجاجهما ، وقيل : هو من لدّه : حبسه ، فكأنه يحبس خصمه عن مفاوضته ومقاومته .
الخصام : مصدر خاصم ، وجمع خصم يقال : خصم وخصوم وخصام ، كبحر وبحور بحار ، والأصل في الخصومة التعميق في البحث عن الشيء ، ولذلك قيل : في زوايا الأوعية : خصوم ، الواحد خصم .
{ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } نزلت في الأخنس بن شريق واسمه : أبي ، وكان حلو اللسان والمنظر ، يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويظهر حبه ، والإسلام ، ويحلف على ذلك ، فكان يدنيه ولا يعلم ما أضمر ، وكان من ثقيف حليفاً لبني زهرة ، فجرى بينه وبين ثقيف شيء ، فبيتهم ليلاً وأحرق زرعهم ، وأهلك مواشيهم ، قاله عطاء ، والكلبي ، ومقاتل .
وقال السدي : فمر بزرع للمسلمين وحُمْرٍ ، فأحرق الزرع ، وغفر الحمر ، قيل : وفيه نزلت { ولا تطع كل حلاف مهين } و { ويل لكل همزة لمزة }
وقال ابن عباس : في كفار قريش ، أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا قد أسلمنا ، فابعث إلينا من يعلمنا دينك ، وكان ذلك مكراً منهم ، فبعث إليهم خبيباً ، ومرشداً ، وعاصم بن ثابت ، وابن الدنية ، وغيرهم ، وتسمى : سرية الرجيع ، والرجيع موضع بين مكة والمدينة ، فقتلوا ، وحديثهم طويل مشهور في الصحاح .
وقال قتادة ، وابن زيد : نزلت في كل منافق أظهر بلسانه ما ليس في قلبه .
وروي عن ابن عباس : أنها في المنافقين ، قالوا عن سرية الرجيع : ويح هؤلاء ما فقدوا في بيوتهم ، ولا أدوا رسالة صاحبهم .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه : لما قسم السائلين الله قبلُ إلى : مقتصر على أمر الدنيا ، وسائل حسنة الدنيا والآخرة ، والوقاية من النار ، أتى بذكر النوعين هنا ، فذكر مِن النوع الأول من هو حلو المنطق ، مظهر الود ، وليس ظاهره كباطنه ، وعطف عليه من يقصد رضي الله تعالى ، ويبيع نفسه في طلبه ، وقدم هنا الأول لأنه هناك المقدم في قوله : { فمنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا } وأحال هنا على إعجاب قوله دون غيره ، من الأوصاف ، لأن القول هو الظاهر منه أولاً في قوله تعالى : { فمن الناس من يقول ربنا } ، فكان من حيث توجهه إلى الله تعالى في الدعاء ، ينبغي أن يكون لا يقتصر على الدنيا ، وإن سأل منه ما ينجيه من عذابه ، وكذلك هذا الثاني ينبغي أن لا يقتصر على حلاوة منطقه ، بل كان يطابق في سريرته لعلانيته .
و : مَنْ ، من قوله : من يعجبك ، موصولة ، وقيل : نكرة موصوفة ، والكاف في : يعجبك ، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم إن كانت نزلت في معين ، كالأخنس أو غيره ، أو خطاب لمن كان مؤمناً إن كانت نزلت في غير معين ممن ينافق قديماً أو حديثاً .
ومعنى إعجاب قوله استحسانه لموافقة ما أنت عليه من الإيمان والخبر ، وجاء في الترمذي : " أن في بعض كتب الله أن من عباد الله قوماً ألسنتهم من العسل ، وقلوبهم أمرّ من الصبر " ، الحديث .
في الحياة ، متعلق بقوله ، أي يعجبك مقالته في معنى الدنيا ، لأن ادعاءه المحبة والتبعية بالباطل يطلب به حظاً من حظوظ الدنيا . ولا يريد به الآخرة ، إذ لا تراد الآخرة إلاَّ بالإيمان الحقيقي ، والمحبة الصادقة ، وقال الزمخشري ، بعد أن ذكر هذا الوجه : ويجوز أن يتعلق بيعجبك أي : قوله حلو ، فيصح : في الدنيا ، فهو يعجبك ولا يعجبك في الآخرة ، لما ترهقه في الموقف من الحبسة واللكنة ، أو لأنه لا يؤذن لهم في الكلام ، فلا يتكلم حتى يعجبك كلامه . انتهى . وفيه بُعد .
والذي يظهر أنه متعلق بيعجبك لا على المعنى الذي قاله ، والمعنى أنك تستحسن مقالته دائماً في مدة حياته ، إذ لا يصدر منه من القول إلاَّ ما هو معجب رائق لطيف ، فمقالته في الظاهر معجبة دائماً . أَلاَ تراه يعدل عن تلك المقالة الحسنة الرائقة ، إلى مقالة خشنة منافية ، ومع ذلك أفعاله منافية لأقواله الظاهرة ، وأقواله الباطلة مخالفة أيضاً لأقواله الظاهرة ؟ إذ لا يحمل قوله : يعجبك قوله ، وقوله : { هو ألدّ الخصام } إلاَّ على حالتين : فهو حلو المقالة في الظاهر ، شديد الخصومة في الباطن .
{ ويشهد الله على ما في قلبه } قرأ الجمهور بضم الياء وكسر الهاء . ونصب الجلالة من : أشهد ، وقرأ أبو حيوة ، وابن محيصن بفتح الياء والهاء ورفع الجلالة ، من شهد ، وقرأ أبي ، وابن مسعود : ويستشهد الله ، والمعنى على قراءة الجمهور ، وتفسير الجمهور ، أنه يحلف بالله ويشهده أنه صادق وقائل حقاً ، وأنه محب في الرسول والإسلام ، وقد جاءت الشهادة في معنى القسم في قصة الملاعنة في سورة النور ، قيل : ويكون اسم الله انتصب بسقوط حرف الجر ، والتقدير : ويقسم بالله على ما في قلبه ، وهذا سهو ، لأن الذي يكون يقسم به هو الثلاثي لا الرباعي ، تقول : أشهد بالله لأفعلن ، ولا تقول : أشهد بالله .
والظاهر عندي أن المعنى : أنه يطلع الله على ما في قلبه ، ولا يعلم به أحداً لشدة تكتمه وإخفائه الكفر ، وهو ظاهر قوله : { على ما في قلبه } ، لأن الذي في قلبه هو خلاف ما أظهر بقوله .
وعلى تفسير الجمهور يحتاج إلى حذف ما يصح به المعنى ، أي : ويحلف بالله على خلاف ما في قلبه ، لأن الذي في قلبه هو الكفر ، وهو لا يحلف عليه ، إنما يحلف على ضده ، وهو الذي يعجب به .
ويقوي هذا التأويل قراءة أبي حيوة ، وابن محيصن ، إذ معناها : ويطلع الله على ما في قلبه من الكفر الذي هو خلاف قوله .
وقراءة : ويستشهد ، بجواز أن تكون فيها : استفعل ، بمعنى : أفعل : نحو أيقن واستيقن ، فيوافق قراءة الجمهور ، وهو الظاهر ، ويجوز أن تكون فيها : استفعل ، بمعنى المجرد ، فيكون استشهد بمعنى شهد ، ويظهر إذ ذاك أن لفظ الجلالة منصوب على إسقاط حرف الجر ، أي ويستشهد بالله ، كما تقول : ويشهد بالله ، ولا بد من الحذف حتى يصح المعنى ، أي : ويستشهد بالله على خلاف ما في قلبه ، والظاهر أن قوله : ويشهد الله ، معطوف على قوله : يعجبك ، فهو صلة ، أو صفة .
وجوز أن تكون الواو واو الحال لا واو العطف ، فتكون الجملة حالاً من الفاعل المستكن في : يعجبك ، أو : من الضمير المجرور في قوله .
التقدير : وهو يشهد الله ، فيكون ذلك قيداً في الإعجاب ، أو في القول ، والظاهر عدم التقييد ، وأنه صلة ، ولما يلزم في الحال من الإضمار للمبتدأ لأن المضارع المثبت ، ومعه الواو ، يقع حالاً بنفسه ، فأحتيج إلى إضمار كما احتاجوا إليه في قولهم : قمت وأصك عينه ، أي وأنا أصك ، والإضمار على خلاف الأصل .
{ وهو ألدّ الخصام } أي : أشد المخاصمين ، فالخصام جمع خصم ، قاله الزجاج ، وإن أريد بالخصام المصدر ، كما قاله الخليل ، فلا بد من حذف مصحح لجريان الخبر على المبتدأ ، إما من المبتدأ ، أي : وخصامه ألدّ الخصام ، وإما من متعلق الخبر ، أي : وهو ألدّ ذوي الخصام ، وجوز أن يراد هنا بالخصام المصدر على معنى اسم الفاعل ، كما يوصف بالمصدر في : رجل خصم ، وأن يكون أفعل لا للمفاضلة ، كأنه قيل : وهو شديد الخصومة ، وأن يكون هو ضمير الخصومة ، يفسره سياق الكلام ، أي : وخصامه أشدّ الخصام .
وتقاربت أقاويل المفسرين في : ألدّ الخصام ، قال ابن عباس : معناه ذو الجدال ، وقال الحسن : الكاذب المبطل ، وقال قتادة : شديد القسوة في معصية الله ، وقال السدي : أعوج الخصومة .
وقال مجاهد : لا يستقيم على حق في الخصومة .
والظاهر أن هذه الجملة الابتدائية معطوفة على صلة مَنْ ، فهي صلة ، وجوزوا أن تكون حالاً معطوفة على : ويشهد إذا كانت حالاً ، أو حالاً من الضمير المستكن في : ويشهد .
وإذا كان الخصام جمعاً ، كان ألدّ من إضافة بعض إلى كل ، وإذا كان مصدراً فقد ذكرنا تصحيح ذلك بالحذف الذي قررناه ، فإن جعلته بمعنى اسم الفاعل فهو كالجمع في أن أفعل بعض ما أضيف إليه ، وإن تأولت أفعل على غير بابها ، فألدّ من باب إضافة الصفة المشبهة .
وقال الزمخشري : والخصام المخاصمة ، وإضافة الألدّ بمعنى في كقولهم ثبت الغدر .
يعنى أن : أفعل ليس من باب ما أضيف إلى ما هو بعضه ، بل هي إضافة على معنى : في ، وهذا مخالف لما يزعمه النحاة من أن أفعل التفضيل لا يضاف إلاَّ لما هي بعض له ، وفيه إثبات الإضافة بمعنى في ، وهو قول مرجوح في النحو ، قالوا : وفي هذه الآية دليل على الاحتياط بما يتعلق بأمور الدين والدنيا ، واستواء أحوال الشهود والقضاة ، وان الحاكم لا يعمل على ظاهر أحوال الناس وما يبدو من إيمانهم وصلاحهم ، حتى يبحث عن باطنهم ، لأن الله بين أحوال الناس ، وأن منهم من يظهر جميلاً وينوي قبيحاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.