البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي يَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (36)

قال السدّي ومقاتل : " مرّ الرسول عليه الصلاة والسلام بأبي جهل وأبي سفيان ، فقال أبو جهل : هذا نبي عبد مناف ، فقال أبو سفيان : وما تنكرون أن يكون نبياً في بني عبد مناف ، فسمعهما الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لأبي جهل : «ما تنتهي حتى ينزل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة ، وأما أنت يا أبا سفيان فإنما قلت ما قلت حمية » " فنزلت .

ولما كان الكفار يغمهم ذكر آلهتهم بسوء شرعوا في الاستهزاء وتنقيص من يذكرهم على سبيل المقابلة و { إن } نافية بمعنى ما ، والظاهر أن جواب { إذا } هو { إن يتخذونك } وجواب إذا بإن النافية لم يرد منه في القرآن إلا هذا وقوله في القرآن { وإذا رأوك إن يتخذونك إلاّ هزواً } ولم يحتج إلى الفاء في الجواب كما لم تحتج إليه ما إذا وقعت جواباً كقوله { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } ما كان حجتهم بخلاف أدوات الشرط ، فإنها إذا كان الجواب مصدراً بما النافية فلا بد من الفاء ، نحو إن تزورنا فما نسيء إليك .

وفي الجواب لاذا بأن وما النافيتين دليل واضح على أن { إذا } ليست معمولة للجواب ، بل العامل فيها الفعل الذي يليها وليست مضافة للجملة خلافاً لأكثر النحاة .

وقد استدللنا على ذلك بغير هذا من الأدلة في شرح التسهيل .

وقيل : جواب { إذا } محذوف وهو يقولون المحكي به قولهم { أهذا الذي يذكر آلهتكم } وقوله { إن يتخذونك إلاّ هزواً } كلام معترض بين { إذا } وجوابه و { يتخذونك } يتعدى إلى اثنين ، والثاني { هزواً } أي مهزوأ به ، وهذا استفهام فيه إنكار وتعجيب .

والذكر يكون بالخير وبالشر ، فإذا لم يذكر متعلقه فالقرينة تدل عليه ، فإن كان من صديق فالذكر ثناء أو من غيره فذم ، ومنه { سمعنا فتى يذكرهم } أي بسوء ، وكذلك هنا { أهذا الذي يذكر آلهتكم } .

ثم نعى عليه إنكارهم عليه ذكر آلهتهم بهذه الجملة الحالية وهي { وهم بذكر الرحمن هم كافرون } أي ينكرون وهذه حالهم يكفرون بذكر الرحمن ، وهو ما أنزل من القرآن فمن هذه حاله لا ينبغي أن ينكر على من يغيب آلهتهم ، والظاهر أن هذه الجملة حال من الضمير في يقولون المحذوف .

وقال الزمخشري : والجملة في موضع الحال أي { يتخذونك هزواً } وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله انتهى .

فجعل الجملة الحالية العامل فيها { يتخذونك هزواً } المحذوفة وكررهم على سبيل التوكيد .

وروي أنها نزلت حين أنكروا لفظة { الرحمن } وقالوا : ما نعرف الرحمن إلاّ في اليمامة ، والمراد بالرحمن هنا الله ، كأنه قيل { وهم بذكر } الله .