البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلۡوَحۡيِۚ وَلَا يَسۡمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ} (45)

ثم أمره تعالى أن يقول { إنما أنذركم بالوحي } أي أعلمكم بما تخافون منه بوحي من الله لا من تلقاء نفسي ، وما كان من جهة الله فهو الصدق الواقع لا محالة كما رأيتم بالعيان من نقصان الأرض من أطرافها ، ثم أخبر أنهم مع إنذارهم معرضون عما أنذروا به فالإنذار لا يجدي فيهم إذ هم صم عن سماعه .

ولما كان الوحي من المسموعات كان ذكر الصمم مناسباً و { الصم } هم المنذرون ، فأل فيه للعهد وناب الظاهر مناب المضمر لأن فيه التصريح بتصامهم وسد أسماعهم إذا أنذروا ، ولم يكن الضمير ليفيد هذا المعنى ونفي السماع هنا نفي جدواه .

وقرأ الجمهور { يَسمع } بفتح الياء والميم { الصم } رفع به و { الدعاء } نصب .

وقرأ ابن عامر وابن جبير عن أبي عمرو وابن الصلت عن حفص بالتاء من فوق مضمومة وكسر الميم { الصم الدعاء } بنصبهما والفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول صلى الله عليه وسلم .

وقرأ كذلك إلا أنه بالياء من نحت أي { ولا يسمع } الرسول وعنه أيضاً { ولا يسمع } مبنياً للمفعول { الصم } رفع به ذكره ابن خالويه .

وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي عن اليزيدي عن أبي عمرو { يُسمِع } بضم الياء وكسر الميم { الصم } نصباً { الدعاء } رفعاً بيسمع ، أسند الفعل إلى الدعاء اتساعاً والمفعول الثاني محذوف ، كأنه قيل : ولا يسمع النداء الصم شيئاً .