البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ} (172)

{ الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم } قيل : الاستجابة كانت أثر الانصراف من أحدٍ .

استنفر الرسول لطلب الكفار ، فاستجاب له تسعون .

وذلك لمّا ذكر للرّسول أنّ أبا سفيان في جمع كثير ، فأبى الرسول إلا أن يطلبهم ، فسبقه أبو سفيان ودخل مكة فنزلت ، قاله : عمرو بن دينار .

وفي ذكر هذا السبب اختلاف في مواضع .

وقيل : الاستجابة كانت من العام القابل بعد قصة أحد ، حيث تواعد أبو سفيان ورسول الله صلى الله عليه وسلم موسم بدر ، فلما كان العام المقبل خرج أبو سفيان فارعب ، وبدا له الرّجوع وقال لنعيم بن مسعود : واعدت محمداً وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر الصغرى ، وهو عام جدب لا يصلح لنا ، فثبطتهم عنا واعلمهم أنا في جمع كثير ففعل ، وخوفهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه وأقاموا ببدر ينتظرون أبا سفيان فنزلت .

قال معناه : مجاهد وعكرمة .

وقيل : لما كان الثاني من أحد وهو يوم الأحد ، نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس باتباع المشركين ، وقال : « لا يخرجن معنا إلا من شاهدنا بالأمس » وكانت بالناس جراحة وقرح عظيم ، ولكن تجلدوا ، ونهض معه مائتا رجل من المؤمنين حتى بلغ حمراء الأسد وهي : على ثمانية أميال من المدينة وأقام بها ثلاثة أيام ، وجرت قصة معبد بن أبي معبد ، وقد ذكرت ومرّت قريش ، فانصرف الرسول إلى المدينة فنزلت .

وروى أنه خرج أخوان وبهما جراحة شديدة ، وضعف أحدهما فكان أخوه يحمله عقبة ويمشي هو عقبة ، ولما لم تتم استجابة العبد لله إلا باستجابته للرسول جمع بينهما ، لأنّ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

قيل : والاستجابتان مختلفتان ، فإنهما بالنسبة إلى الله بالتوحيد والعبادة ، وللرّسول بتلقي الرّسالة منه والنصيحة له .

والظاهر أنها استجابة واحدة ، وهو إجابتهم له حين انتدبهم لاتباع الكفار على ما نقل في سبب النزول .

والإحسان هنا ما هو زائد على الإيمان من الاتصاف بما يستحب مع الاتصاف بما يجب .

والظاهر إعراب الذين مبتدأ ، والجملة بعده الخبر .

وجوزوا الاتباع نعتاً ، أو بدلاً ، والقطع إلى الرفع والنصب .

ومن في منهم قال الزمخشري : للتبيين مثلها في قوله تعالى : { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً } لأن الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا كلهم واتقوا ، إلا بعضهم .

وعن عروة بن الزبير قالت لي عائشة : أن أبويك لممن استجابوا لله والرسول تعني : أبا بكر والزبير انتهى .

وقال أبو البقاء : منهم حال من الضمير في أحسنوا ، فعلى هذا تكون من للتبعيض وهو قول من لا يرى أن من تكون لبيان الجنس .

/خ180