لما ذكر تعالى قصة زيد وزينب وتطليقه إياها ، وكانت مدخولاً بها ، واعتدت ، وخطبها الرسول ، عليه السلام ، بعد انقضاء عدتها ، بين حال من طلقت قبل المسيس ، وأنها لا عدة عليها .
ومعنى { نكحتم } : عقدتم عليهن .
وسمى العقد نكاحاً لأنه سبب إليه ، كما سميت الخمر إثماً لأنها سبب له .
قالوا : ولفظ النكاح في كتاب الله لم يرد إلا في العقد ، وهو من آداب القرآن ؛ كما كنى عن الوطء بالمماسة والملامسة والقربان والتغشي والإتيان ، قيل : إلا في قوله : { حتى تنكح زوجاً غيره } فإنه بمعنى الوطء ، وقد تقدم الكلام عليه في البقرة .
والكتابيات ، وإن شاركت المؤمنات في هذا الحكم ، فتخصيص المؤمنات بالذكر تنبيه على أن المؤمن لا ينبغي أن يتخير لنطفته إلا المؤمنة .
وفائدة المجيء بثم ، وإن كان الحكم ثابتاً ، إن تزوجت وطلقت على الفور ، ولمن تأخر طلاقها .
قال الزمخشري : نفي التوهم عمن عسى يتوهم تفاوت الحكم بين أن يطلقها ، وهي قريبة العهد من النكاح ، وبين أن يبعد عهدها بالنكاح ، وتتراخى بها المدة في حيالة الزوج ثم يطلقها . انتهى .
واستعمل صلة لمن عسى ، وهو لا يجوز ، أو لوحظ في ذلك الغالب .
فإن من أقدم على العقد على امرأة ، إنما يكون ذلك لرغبة ، فيبعد أن يطلقها على الفور ، لأن الطلاق مشعر بعدم الرغبة ، فلا بد أن يتخلل بين العقد والطلاق مهلة يظهر فيها للزوج نأيه عن المرأة ، وأن المصلحة في ذلك له .
والظاهر أن الطلاق لا يكون إلا بعد العقد ، ولا يصح طلاق من لم يعقد عليها عينها أو قبيلتها أو البلد ، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين .
وقالت طائفة كبيرة ، منهم مالك : يصح ذلك .
والظاهر أن المسيس هنا كناية عن الجماع ، وأنه إذا خلا بها ثم طلقها ، لا يعقد .
وعند أبي حنيفة وأصحابه : حكم الخلوة الصحيحة حكم المسيس .
والظاهر أن المطلقة رجعية ، إذا راجعها زوجها قبل أن تنقضي عدتها ، ثم فارقها قبل أن يمسها ، لا تتم عدتها من الطلقة الأولى ، ولا تستقبل عدة ، لأنها مطلقة قبل الدخول ، وبه قال داود .
وقال عطاء وجماعة : تمضي في عدتها عن طلاقها الأول ، وهو أحد قولي الشافعي .
وقال مالك : لا تبنى على العدة من الطلاق الأول ، وتستأنف العدة من يوم طلقها الطلاق الثاني ، وهو قول فقهاء جمهور الأمصار .
والظاهر أيضاً أنها لو كانت بائناً غير مبتوتة ، فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول ، كالرجعية في قول داود ، ليس عليها عدة ، لا بقية عدة الطلاق الأول ولا استئناف عدة الثاني ، ولها نصف المهر .
وقال الحسن ، وعطاء ، وعكرمة ، وابن شهاب ، ومالك ، والشافعي ، وعثمان البتي ، وزفر : لها نصف الصداق ، وتتم بقية العدة الأولى .
وقال الثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، وأبو يونس : لها مهر كامل للنكاح الثاني ، وعدة مستقبلة ، جعلوها في حكم المدخول بها ، لاعتدادها من مائة .
وقرأ الجمهور : { تعتدونها } ، بتشديد الدال : افتعل من العد ، أي تستوفون عددها ، من قولك : عد الدراهم فاعتدها ، أي استوفى عددها ؛ نحو قولك : كلته واكتاله ، وزنته فاتزنته .
وعن ابن كثير وغيره من أهل مكة : بتخفيف الدال ، ونقلها عن ابن كثير ابن خالويه وأبو الفضل الرازي .
وقال ابن عطية : وروي عن أبي برزة ، عن ابن كثير : بتخفيف الدال من العدوان ، كأنه قال : فما لكم عدة تلزمونها عدواناً وظلماً لهنّ ، والقراءة الأولى أشهر عن ابن كثير ، وتخفيف الدال وهم من أبي برزة . انتهى .
وليس بوهم ، إذ قد نقلها عن ابن كثير ابن خالويه وأبو الفضل الرازي في ( كتاب اللوامح في شواذ القراءات ) ، ونقلها الرازي المذكور عن أهل مكة وقال : هو من الإعتداد لا محالة ، لكنهم كرهوا التضعيف فخففوه .
فإن جعلت من الاعتداء الذي هو الظلم ضعف ، لأن الاعتداء يتعدى بعلى . انتهى .
وإذا كان يتعدى بعلى ، فيجوز أن لا يحذف على ، ويصل الفعل إلى الضمير ، نحو قوله :
تحن فتبدى ما بها من صبابة *** وأخفى الذي لولا الأسى لقضاني
وقال الزمخشري : وقرىء : تعتدونها مخففاً ، أي تعتدون فيها ، كقوله : ويوماً شهدناه .
والمراد بالاعتداء ما في قوله : ولا تمسكوهنّ ضراراً لتعتدوا . انتهى .
ويعني أنه اتصل بالفعل لما حذف حرف الجر وصل الفعل إلى ضمير العدة ، كقوله :
ويوماً شهدناه سليماً وعامراً . . .
وأما على تقدير على ، فالمعنى : تعتدون عليهنّ فيها .
وقرأ الحسن : بإسكان العين كغيره ، وتشديد الدال جمعاً بين الساكنين .
وقوله : { فما لكم } يدل على أن العدة حق الزوج فيها غالب ، وإن كانت لا تسقط بإسقاطه ، لما فيه من حق الله تعالى .
والظاهر أن من طلقت قبل المسيس لها المتعة مطلقاً ، سواء كانت ممدودة أم مفروضاً لها .
وقيل : يختص هذا الحكم بمن لا مسمى لها .
والظاهر أن الأمر في { فمتعوهنّ } للوجوب ، وقيل : للندب ، وتقدم الكلام مشبعاً في المتعة في البقرة .
والسراح الجميل : هو كلمة طيبة دون أذى ولا منع واجب .
وقيل : أن لا يطالبها بما آتاها .
ولما بين تعالى بعض أحكام أنكحة المؤمنين ، أتبعه بذكر طرف من نساء النبي صلى الله عليه وسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.