البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَمَا يُبۡدِئُ ٱلۡبَٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ} (49)

ولما ذكر تعالى أنه يقذف بالحق بصيغة المضارع ، أخبر أن الحق قد جاء ، وهو القرآن والوحي ، وبطل ما سواه من الأديان ، فلم يبق لغير الإسلام ثبات ، لا في بدء ولا في عاقبة ، فلا يخاف على الإسلام ما يبطله ، كما قال : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } وقال قتادة : الباطل : الشيطان ، لا يخلق شيئاً ولا يبعثه .

وقال الضحاك : الأصنام لا تفعل ذلك .

وقال أبو سليمان : لا يبتدىء الصنم من عنده كلاماً فيجاب ، ولا يرد ما جاء من الحق بحجة .

وقيل : الباطل : الذي يضاد الحق ، فالمعنى : ذهب الباطل بمجيء الحق ، فلم يبقى منه بقية ، وذلك أن الجائي إذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة ، فصار قولهم : لا يبدي ولا يعيد ، مثلاً في الهلاك ، ومنه قول الشاعر :

أفقر من أهيله عبيد *** فاليوم لا يبدي ولا يعيد

والظاهر أن ما نفي ، وقيل : استفهام ومآله إلى النفي ، كأنه قال : أي شيء يبدىء الباطل ، أي إبليس ، ويعيده ، قاله الزجاج وفرقة معه .

وعن الحسن : لا يبدىء ، أي إبليس ، لأهله خيراً ، ولا يعيده : أي لا ينفعهم في الدنيا والآخرة .

وقيل : الشيطان : الباطل ، لأنه صاحب الباطل ، لأنه هالك ، كما قيل له الشيطان من شاط إذا هلك .

وقيل : الحق : السيف .

عن ابن مسعود : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً ، فجعل يطعنها بعود نبقة ويقول : « { جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً } ، { جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد } » .