البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ يَقُولُ لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ أَهَـٰٓؤُلَآءِ إِيَّاكُمۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ} (40)

{ ويوم يحشرهم جميعاً } : أي المكذبين ، من تقدم ومن تأخر .

وقرأ الجمهور : نحشرهم ، نقول بالنون فيهما ، وحفص بالياء ، وتقدمت في الأنعام وخطاب الملائكة تقريع للكفار ، وقد علم تعالى أن الملائكة منزهون برآء مما وجه عليهم من السؤال ، وإنما ذلك على طريق توقيف الكفار ، وقد علم سوء ما ارتبكوه من عبادة غير الله ، وأن من عبدوه متبرىء منهم .

و { هؤلاء } مبتدأ و ، خبره { كانوا يعبدون } ، و { إياكم } مفعول { يعبدون } .

ولما تقدم انفصل ، وإنما قدم لأنه أبلغ في الخطاب ، ولكون { يعبدون } فاصلة .

فلو أتى بالضمير منفصلاً ، كان التركيب يعبدونكم ، ولم تكن فاصلة .

واستدل بتقديم هذا المعمول على جواز تقديم خبر كان عليها إذا كان جملة ، وهي مسألة خلاف ، أجاز ذلك ابن السراج ، ومنع ذلك قوم من النحويين ، وكذلك منعوا توسطه إذا كان جملة .

وقال ابن السراج : القياس جواز ذلك ، ولم يسمع .

ووجه الدلالة من الآية أن تقديم المعمول مؤذن بتقديم العامل ، فكما جاز تقديم { إياكم } ، جاز تقديم { يعبدون } ، وهذه القاعدة ليست مطردة ، والأولى منع ذلك إلى أن يدل على جوازه سماع من العرب .