وبلى جواب للنفي السابق من قولهم { لا تأتينا الساعة } ، أي بلى لتأتينكم .
وقرأ الجمهور : { لتأتينكم } بتاء التأنيث ، أي الساعة التي أنكرتم مجيئها .
وقرأ طلق عن أشياخه بياء الغيبة ، أي ليأتينكم البعث ، لأنه مقصودهم من نفي الساعة أنهم لا يبعثون .
وقال الزمخشري : أو على معنى الساعة ، أي اليوم ، أو على إسناده إلى الله على معنى ليأتينكم أمر عالم الغيب كقوله : { أو يأتي ربك } أي أمره .
ويبعد أن يكون ضمير الساعة ، لأنه مذهوب به مذهب التذكير ، لا يكون إلا في الشعر ، نحو قوله :
ثم أكد الجواب بالقسم على البعث ، واتبع القسم بقوله : { عالم الغيب } وما بعده ، ليعلم أن إنباتها من الغيب الذي تفرد به تعالى .
وجاء القسم بقوله : { وربي } مضافاً إلى الرسول ، ليدل على شدّة القسم ، إذ لم يأت به في الاسم المشترك بينه وبين من أنكر الساعة ، وهو لفظ الله .
وقرأ نافع ، وابن عامر ، ورويس ، وسلام ، والجحدري ، وقعنب : { عالم } بالرفع على إضمار هو ؛ وجوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون مبتدأ ، والخبر { لا يعزب } .
وقال الحوفي : أو خبره محذوف ، أي عالم الغيب هو ، وباقي السبعة : عالم بالجر .
قال ابن عطية ، وأبو البقاء : وذلك على البدل .
وأجاز أبو البقاء أن تكون صفة ، ويعني أن عالم الغيب يجوز أن يتعرف ، وكذا كل ما أضيف إلى معرفة مما كان لا يتعرف بذلك يجوز أن يتعرف بالاضافة ، إلا الصفة المشبهة فلا تتعرف بإضافة .
ذكر ذلك سيبويه في كتابة ، وقل من يعرفه .
وقرأ ابن وثاب ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي : علام على المبالغة والخفض ، وتقدّمت قراءة يعزب في يونس .
وقرأ الجمهور : { ولا أصغر من ذلك ولا أكبر } ، برفع الراءين ، واحتمل أن يكون معطوفاً على { مثقال } ، وأن يكون مبتدأ ، والخبر في قوله : { إلا في كتاب } .
وعلى الاحتمال الأول ، يكون { إلا في كتاب مبين } توكيداً لما تضمن النفي في قوله : { لا يعزب } ، وتقديره : لكنه في كتاب مبين ، وهو كناية عن ضبط الشىء والتحفظ به ، فكأنه في كتاب ، وليس ثم كتاب حقيقة .
وعلى التخريج الأول ، يكون الكتاب هو اللوح المحفوظ .
وقرأ الأعمش ، وقتادة : بفتح الراءين .
قال ابن عطية : عطفاً على { ذرة } .
ورويت عن أبي عمرو ، وعزاها أيضاً إلى نافع ، ولا يتعين ما قال ، بل تكون لا لنفي الجنس ، وهو مبتدأ ، أعني مجموع لا وما بني معها على مذهب سيبويه ، والخبر { إلا في كتاب مبين } ، وهو من عطف الجمل ، لا من عطف المفردات ، كما قال ابن عطية .
وقال الزمخشري : جواباً لسؤال من قال : هل جاز عطف { ولا أصغر } على { مثقال } ، وعطف { ولا أصغر } على { ذرة } ؟ قلت : يأبى ذلك حرف الاستثناء ، إلا إذا جعلت الضمير في عنه للغيب ، وجعلت الغيب اسماً للخفيات قبل أن تكتب في اللوح ، لأن إثباتها في اللوح نوع من البروز عن الحجاب على معنى أنه لا ينفصل عن الغيب شيء ولا يزول عنه إلا مسطوراً في اللوح . انتهى .
ولا يحتاج إلى هذا التأويل إذا جعلنا الكتاب المبين ليس اللوح المحفوظ .
وقرأ زيد بن على : ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، بخفض الراءين بالكسرة ، كأنه نوى مضافاً إليه محذوفاً ، التقدير : ولا أصغره ولا أكبره ، ومن ذلك ليس متعلقاً بأفعل ، بل هو بتبيين ، لأنه لما حذف المضاف إليه أبهم لفظاً فبينه بقوله : { من ذلك } ، أي عنى من ذلك ، وقد جاءت من كون أفعل التفضيل مضافاً في قول الشاعر :
تحن نفوس الورى وأعلمنا *** بنا يركض الجياد في السدف
وخرج على أنه أراد علم بنا ، فأضاف ناوياً طرح المضاف إليه ، فاحتملت قراءة زيد هذا التوجيه الآخر : أنه لما أضاف أصغر وأكبر على إعرابهما حالة الإضافة ، وهذا كله توجيه شذوذ ، وناسب وصفه تعالى بعالم الغيب ، وأنه لا يفوت علمه شيء من الخفيات ، فاندرج في ذلك وقت قيام الساعة ، وصار ذلك دليلاً على صحة ما أقسم عليه ، لأن من كان عالماً بجميع الأشياء كلها وجزئها ، وكانت قدرته ثابتة ، كان قادراً على إعادة ما فنى من جميع الأرواح والأشباح .
قيل : وقوله { مثقال ذرة في السموات } ، إشارة إلى علمه بالأرواح ، { ولا في الأرض } ، إشارة إلى علمه بالأشياء .
وكما أبرزهما من العدم إلى الوجود أولاً ، فكذلك يعيدهما ثانياً .
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف يكون بمعنى اليمين مصححة لما أنكروه ؟ قلت : هذا لو اقتصر على اليمين ولم يتبعها بالحجة القاطعة ، وهو قوله : { ليجزي } ، فقد وضع الله في العقول وركب في الغرائز وجوب الجزاء ، وأن المحسن لا بد له من ثواب ، والمسيء لا بد له من عقاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.