البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة سبأ

هذه السورة ، قال في التحرير ، مكية بإجماعهم .

قال ابن عطية : مكية إلا قوله : { ويرى الذين أوتوا العلم } ، فقالت فرقة : مدنية فيمن أسلم من أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام وأشباهه . انتهى .

وسبب نزولها أن أبا سفيان قال لكفار مكة ، لما سمعوا { ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات } إن محمداً يتوعدنا بالعذاب بعد أن نموت ، ويخوّفنا بالبعث ، واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبداً ، ولا نبعث .

فقال الله : { قل } يا محمد { بلى وربي لتبعثن } قاله مقاتل ؛ وباقي السورة تهديد لهم وتخويف .

ومن ذكر هذا السبب ، ظهرت المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها .

{ الحمد لله } : مستغرق لجميع المحامد .

{ وله الحمد في الآخرة } : ظاهره الإستغراق .

ولما كانت نعمة الآخرة مخبراً بها ، غير مرئية لنا في الدنيا ، ذكرها ليقاس نعمها بنعم الدنيا ، قياس الغائب على الشاهد ، وإن اختلفا في الفضيلة والديمومة .

وقيل : أل للعهد والإشارة إلى قوله : { وآخر دعواهم أن الحمد لله } أو إلى قوله : { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده } وقال الزمخشري : الفرق بين الحمدين وجوب الحمد في الدنيا ، لأنه على نعمه متفضل بها ، وهو الطريق إلى تحصيل نعمة الآخرة ، وهي الثواب .

وحمد الآخرة ليس بواجب ، لأنه على نعمة واجبة الاتصال إلى مستحقها ، إنما هو تتمة سرور المؤمنين وتكملة اغتباطهم يلتذون به .

انتهى ، وفيه بعض تلخيص .