البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ} (33)

{ وجنات } على هذا مبتدأ ، و { يدخلونها } الخبر .

وجنات ، قراءة الجمهور جمعاً بالرفع ، ويكون ذلك إخباراً بمقدار أولئك المصطفين .

وقال الزمخشري ، وابن عطية : { جنات } بدل من { الفضل } .

قال الزمخشري : فإن قلت : فكيف جعلت { جنات عدن } بدلاً من { الفضل الكبير } الذي هو السبق بالخيرات المشار إليه بذلك ؟ قلت : لما كان السبب في نيل الثواب نزل منزلة المسبب كأنه هو الثواب ، فأبدلت عنه جنات عدن . انتهى .

ويدل على أنه مبتدأ قراءة الجحدري وهارون ، عن عاصم .

جنات ، منصوباً على الاشتغال ، أي يدخلون جنات عدن يدخلونها .

وقرأ رزين ، وحبيش ، والزهري : جنة على الأفراد .

وقرأ أبو عمرو : ويدخلونها مبنياً للمفعول ، ورويت عن ابن كثير والجمهور مبنياً للفاعل .

والظاهر أن الضمير المرفوع في يدخلونها عائداً على الأصناف الثلاثة ، وهو يقول عبد الله بن مسعود ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وأبي الدرداء ، وعقبة بن عامر ، وأبي سعيد ، وعائشة ، ومحمد بن الحنيفة ، وجعفر الصادق ، وأبي إسحاق السبيعي ، وكعب الأحبار .

وقرأ عمر هذه الآية ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له » ومن جعل ثلاثة الأصناف هي التي في الواقعة ، لأن الضمير في يدخلونها عائد عنده على المقتصد والسابق .

وقال الزمخشري : هو عائد على السابق فقط ، ولذلك جعل ذلك إشارة إلى السبق بعد التقسيم ، فذكر ثوابهم .

والسكوت عن الآخرين ما فيه من وجوب الحذر ، فليحذر المقتصد ، وليهلك الظالم لنفسه حذراً ، وعليهما بالتوبة النصوح المخلصة من عذاب الله ، ولا يغتر بما رواه عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له » ، فإن شرط ذلك صحة التوبة ، عسى الله أن يتوب عليهم .

وقوله : إما يعذبهم ، وإما يتوب عليهم ، ولقد نطق القرآن بذلك في مواضع من استقرأها اطلع على حقيقة الأمر ولم يعلل نفسه بالخداع .

انتهى ، وهو على طريق المعتزلة .

وقرأ الجمهور : { يحلون } بضم الياء وفتح الحاء وشد اللام ، مبنياً للمفعول .

وقرىء : بفتح الياء وسكون الحاء وتخفيف اللام ، من حليت المرأة فهي حال ، إذا لبست الحلى .

ويقال : جيد حال ، إذا كان فيه الحلى ، وتقدم في سورة الحج الكلام على { يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير } .