البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّـٰبِـُٔونَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (69)

{ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } تقدم في البقرة تفسير مثل هذه الآية .

وقرأ عثمان ، وأبي وعائشة ، وابن جبير ، والجحدري : والصابئين .

قال الزمخشري : وبها قرأ ابن كثير .

وقرأ الحسن ، والزهري : والصابئون بكسر الباء وضم الياء ، وهو من تخفيف الهمز كقراءة : يستهزئون .

وقرأ القراء السبعة : والصابئون بالرفع ، وعليه مصاحف الأمصار ، والجمهور .

وفي توجيه هذه القراءة وجوه : أحدها : مذهب سيبويه والخليل ونحاة البصرة : أنه مرفوع بالابتداء ، وهو منوي به التأخير ، ونظيره : إنّ زيداً وعمرو قائم ، التقدير : إن زيداً قائم وعمرو قائم ، فحذف خبر عمرو لدلالة خبر إنّ عليه ، والنية بقوله : وعمرو ، التأخير .

ويكون عمرو قائم بخبره هذا المقدر معطوفاً على الجملة من أنّ زيداً قائم ، وكلاهما لا موضع له من الإعراب .

الوجه الثاني : أنه معطوف على موضع اسم إنّ لأنه قبل دخول إن كان في موضع رفع ، وهذا مذهب الكسائي والفراء .

أما الكسائي فإنه أجاز رفع المعطوف على الموضع سواء كان الاسم مما خفي فيه الإعراب ، أو مما ظهر فيه .

وأما الفراء فإنه أجاز ذلك بشرط خفاء الإعراب .

واسم إن هنا خفي فيه الإعراب .

الوجه الثالث : أنه مرفوع معطوف على الضمير المرفوع في هادوا : وروي هذا عن الكسائي .

ورد بأنّ العطف عليه يقتضي أنّ الصابئين تهودوا ، وليس الأمر كذلك .

الوجه الرابع : أن تكون إن بمعنى نعم حرف جواب ، وما بعده مرفوع بالابتداء ، فيكون والصابئون معطوفاً على ما قبله من المرفوع ، وهذا ضعيف .

لأن ثبوت أن بمعنى نعم فيه خلاف بين النحويين ، وعلى تقدير ثبوت ذلك من لسان العرب فتحتاج إلى شيء يتقدمها يكون تصديقاً له ، ولا تجيء ابتدائية أول الكلام من غير أن تكون جواباً لكلام سابق .

وقد أطال الزمخشري في تقدير مذهب سيبويه ونصرته ، وذلك مذكور في علم النحو ، وأورد أسئلة وجوابات في الآية إعرابية تقدم نظيرها في البقرة .

وقرأ عبد الله : يا أيها الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون .