البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

الظاهر إطلاق المصيبة على الرزية وما يسوء العبد ، أي في نفس أو مال أو ولد أو قول أو فعل ، وخصت بالذكر ، وإن كان جميع الحوادث لا تصيب إلا بإذن الله .

وقيل : ويحتمل أن يريد بالمصيبة الحادثة من خير وشر ، إذ الحكمة في كونها بإذن الله .

وما نافية ، ومفعول أصاب محذوف ، أي ما أصاب أحداً ، والفاعل من مصيبة ، ومن زائدة ، ولم تلحق التاء أصاب ، وإن كان الفاعل مؤنثاً ، وهو فصيح ، والتأنيث لقوله تعالى : { ما تسبق من أمة أجلها } وقوله : { وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله } أي بإرادته وعلمه وتمكينه .

{ ومن يؤمن بالله } : أي يصدق بوجوده ويعلم أن كل حادثة بقضائه وقدره ، { يهد قلبه } على طريق الخير والهداية .

وقرأ الجمهور : يهد بالياء ، مضارعاً لهدى ، مجزوماً على جواب الشرط .

وقرأ ابن جبير وطلحة وابن هرمز والأزرق عن حمزة : بالنون ؛ والسلمي والضحاك وأبو جعفر : يهد مبنياً للمفعول ، قلبه : رفع ؛ وعكرمة وعمرو بن دينار ومالك بن دينار : يهدأ بهمزة ساكنة ، قلبه بالرفع : يطمئن قلبه ويسكن بإيمانه ولا يكون فيه اضطراب .

وعمرو بن فايد : يهدا بألف بدلاً من الهمزة الساكنة ؛ وعكرمة ومالك بن دينار أيضاً : يهد بحذف الألف بعد إبدالها من الهمزة الساكنة وإبدال الهمزة ألفاً في مثل يهدأ ويقرأ ، ليس بقياس خلافاً لمن أجاز ذلك قياساً ، وبنى عليه جواز حذف تلك الألف للجازم ، وخرج عليه قول زهير بن أبي سلمى :

جزى متى يظلم يعاقب بظلمه *** سريعاً وإن لا يبد بالظلم يظلم

أصله : يبدأ ، ثم أبدل من الهمزة ألفاً ، ثم حذفها للجازم تشبيهاً بألف يخشى إذا دخل الجازم .