هذه السورة مدنية ، وسبب نزولها ما يأتي ذكره في تفسير أوائلها ، والمناسبة بينها وبين السورة قبلها أنه لما ذكر جملة من أحكام زوجات المؤمنين ، ذكر هنا ما جرى من بعض زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ يا أيها النبي } : نداء إقبال وتشريف وتنبيه بالصفة على عصمته مما يقع فيه من ليس بمعصوم ؛ { لم تحرم } : سؤال تلطف ، ولذلك قدم قبله { يا أيها النبي } ، كما جاء في قوله تعالى : { عفا الله عنك لم أذنت لهم } ومعنى { تحرم } : تمنع ، وليس التحريم المشروع بوحي من الله ، وإنما هو امتناع لتطييب خاطر بعض من يحسن معه العشرة .
{ ما أحل الله لك } : هو مباشرة مارية جاريته ، وكان صلى الله عليه وسلم ألمّ بها في بيت بعض نسائه ، فغارت من ذلك صاحبة البيت ، فطيب خاطرها بامتناعه منها ، واستكتمها ذلك ، فأفشته إلى بعض نسائه .
وقيل : هو عسل كان يشربه عند بعض نسائه ، فكان ينتاب بيتها لذلك ، فغار بعضهن من دخوله بيت التي عندها العسل ، وتواصين على أن يذكرن له على أن رائحة ذلك العسل ليس بطيب ، فقال : «لا أشربه » .
وللزمخشري هنا كلام أضربت عنه صفحاً ، كما ضربت عن كلامه في قوله : { عفا الله عنك لم أذنت لهم } وكلامه هذا ونحوه محقق قوي فيه ، ويعزو إلى المعصوم ما ليس لائقاً .
فلو حرم الإنسان على نفسه شيئاً أحله الله ، كشرب عسل ، أو وطء سرية ؛ واختلفوا إذا قال لزوجته : أنت عليّ حرام ، أو الحلال على حرام ، ولا يستثني زوجته ؛ فقال جماعة ، منهم الشعبي ومسروق وربيعة وأبو سلمة وأصبغ : هو كتحريم الماء والطعام .
وقال تعالى : { لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } والزوجة من الطيبات ومما أحله الله .
وقال أبو بكر وعمر وزيد وابن عباس وابن مسعود وعائشة وابن المسيب وعطاء وطاووس وسليمان بن يسار وابن جبير وقتادة والحسن والأوزاعي وأبو ثور وجماعة : هو يمين يكفرها .
وقال ابن مسعود وابن عباس أيضاً في إحدى روايتيه ، والشافعي في أحد قوليه : فيه تكفير يمين وليس بيمين .
وقال أبو حنيفة وسفيان والكوفيون : هذا ما أراد من الطلاق ، فإن لم يرد طلاقها فهو لا شيء .
وقال آخرون : كذلك ، فإن لم يرد فهو يمين .
وفي التحرير ، قال أبو حنيفة وأصحابه : إن نوى الطلاق فواحدة بائنة ، أو اثنين فواحدة ، أو ثلاثاً فثلاث ، أو لم ينو شيئاً فيمين وهو مول ، أو الظهار فظهار .
وقال ابن القاسم : لا تنفعه نية الظهار ويكون طلاقاً .
وقال يحيى بن عمر : يكون ، فإن ارتجعها ، فلا يجوز له وطئها حتى يكفر كفارة الظهار فما زاد من أعداده ، فإن نوى واحدة فرجعية ، وهو قول الشافعي .
وقال الأوزاعي وسفيان وأبو ثور : أي أي شيء نوى به من الطلاق وقع وإن لم ينو شيئاً ، فقال سفيان : لا شيء عليه .
وقال الأوزاعي وأبو ثور : تقع واحدة .
وقال الزهري : له نيته ولا يكون أقل من واحدة ، فإن لم ينو فلا شيء .
وقال ابن جبير : عليه عتق رقبة وإن لم يكن ظهاراً .
وقال أبو قلابة وعثمان وأحمد وإسحاق : التحريم ظهار ، ففيه كفارة .
وقال الشافعي : إن نوى أنها محرمة كظهر أمه ، فظهار أو تحريم عينها بغير طلاق ، أو لم ينو فكفارة يمين .
وقال مالك : هي ثلاث في المدخول بها ، وينوى في غير المدخول بها ، فهو ما أراد من واحدة أو اثنتين أو ثلاث .
وقيل : في المدخول بها ثلاث ، قاله عليّ أيضاً وزيد بن أسلم والحكم .
وقال ابن أبي ليلى وعبد الملك بن الماجشون : هي ثلاث في الوجهين ، ولا ينوي في شيء .
وروى ابن خويز منداد عن مالك ، وقاله زيد وحماد بن أبي سليمان : إنها واحدة بائنة في المدخول بها وغير المدخول بها .
وقال الزهري وعبد العزيز بن الماجشون : هي واحدة رجعية .
وقال أبو مصعب ومحمد بن الحكم : هي في التي لم يدخل بها واحدة ، وفي المدخول بها ثلاث .
وفي الكشاف لا يراه الشافعي يميناً ، ولكن سبباً في الكفارة في النساء وحدهن ، وإن نوى الطلاق فهو رجعي .
وعن عمر : إذا نوى الطلاق فرجعي .
وعن علي : ثلاث ؛ وعن زيد : واحدة ؛ وعن عثمان : ظهاراً . انتهى .
وقال أيضاً : ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لما أحله : «هو حرام علي » ، وإنما امتنع من مارية ليمين تقدّمت منه ، وهو قوله : " والله لا أقربها بعد اليوم " ، فقيل له : { لم تحرم ما أحل الله لك } : أي لم تمتنع منه بسبب اليمين ؟ يعني أقدم على ما حلفت عليه وكفر ، ونحو قوله تعالى : { وحرمنا عليه المراضع } أي منعناه منها . انتهى .
وقال الزمخشري تفسير لتحرم ، أو استئناف ، { مرضات } : رضا أزواجك ، أي بالامتناع مما أحله الله لك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.