البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمِمَّنۡ خَلَقۡنَآ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ} (181)

{ وممن خلقنا أمة يهدون بالحقّ وبه يعدلون } لما ذكر من ذرأ للنار ذكر مقابلهم وفي لفظة { وممن } دلالة على التبعيض وأن المعظم من المخلوقين ليسوا هداة إلى الحق ولا عادلين به ، قيل : هم العلماء والدعاء إلى الدين ، وقيل : هم مؤمنو أهل الكتاب قاله ابن الكلبي وروي عن قتادة وابن جريج ، وقيل : هم المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان ، وقال ابن عباس : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وعليه أكثر المفسرين وروي في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال : « هذه لكم ، وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها » { ومن قوم موسى } الآية وعنه صلى الله عليه وسلم : « إن من أمتي قوماً على الحقّ حتى ينزل عيسى ابن مريم » والظاهر أن هذه الجملة أخبر فيها أن ممن خلق أمة موصوفون بكذا فلا يدل على تعيين لا في أشخاص ولا في أزمان وصلحت لكل هاد بالحقّ من هذه الأمة وغيرهم وفي زمان الرسول وغيره ، كما أنّ مقابلها في قوله { ولقد ذرأنا لجهنم } لا يدلّ على تعيين أشخاص ولا زمان وإنما هذا تقسيم للمخلوق للنار والمخلوق للجنة ولذلك قيل : إنّ في الكلام محذوفاً تقديره { وممن خلقنا } يدلّ عليه إثبات مقابله في قوله { ولقد ذرأنا لجهنم } .