أيان ظرف زمان مبني لا يتصرف وأكثر استعماله في الاستفهام ويليه الاسم مرفوعاً بالابتداء والفعل المضارع لا الماضي بخلاف متى فإنهما يليانه قال تعالى : { أيان يبعثون } و { أيان مرساها } قال الشاعر :
أيان تقضي حاجتي أيانا *** أما ترى لفعلها إبانا
وتستعمل في الجزاء فتجزم المضارعين وذلك قيل فيها ولم يحفظ سيبويه لكن حفظه غيره وأنشدوا قوله الشاعر :
إذا النعجة العجفاء باتت بقفرة *** فأيّان ما تعدل بها الريح تنزل
أيان نؤمنك تأمن غيرنا وإذا *** لم تدرك الأمن منا لم تزل حذرا
{ يسألونك عن الساعة أيان مرساها } الضمير في { يسألونك } لقريش قالوا يا محمد إنا قرابتك فأخبرنا بوقت الساعة ، وقال ابن عباس : الضمير لليهود ، قال حسل بن أبي بشير وشمويل بن زيدان ان كنت نبيّاً فأخبرنا بوقت الساعة فإنا نعرفها فإن صدقت آمنا بك فنزلت ، ومناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر التوحيد والنبوة والقضاء والقدر أتبع ذلك بذكر المعاد وأيضاً فلما تقدّم قوله { وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم } وكان ذلك باعثاً على المبادرة إلى التوبة أتى بالسؤال عن الساعة ليعلم أنّ وقتها مكتوم عن الخلق فيكون ذلك سبباً للمسارعة إلى التوبة و { الساعة } القيامة موت من كان حينئذ حيّاً وبعث الجميع فيقع عليه اسم الساعة واسم القيامة و { الساعة } من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا ، وقرأ الجمهور { أيّان } بفتح الهمزة والسلمي بكسرها حيث وقعت وتقدم أنها لغة قومه سليم و { مرساها } مصدر أي متى إرساؤها وإثباتها إقرارها والرّسو ثبات الشيء الثقيل ومنه رسا الجبل وأرسيت السفينة والمرسا المكان الذي ترسو فيه ، وقال الزمخشري : { مرساها } إرساؤها أو وقت إرسائها أي إثباتها وإقرارها انتهى ، وتقديره أو وقت إرسائها ليس بجيد لأنّ { أيان } اسم استفهام عن الوقت فلا يصحّ أن يكون خبراً عن الوقت إلا بمجاز لأنه يكون التقدير في أي وقت وقت إرسائها و { أيان مرساها } مبتدأ وحكى ابن عطية عن المبرّد أن { مرساها } مرتفع بإضمار فعل ولا حاجة إلى هذا الإضمار و { أيان مرساها } جملة استفهامية في موضع البدل من { الساعة } والبدل على نية تكرار العامل وذلك العامل معلق عن العمل لأنّ الجملة فيها استفهام ولما علق الفعل وهو يتعدى بعن صارت الجملة في موضع نصب على إسقاط حرف الجر فهو بدل في الجملة على موضع عن الساعة لأنّ موضع المجرور نصب ونظيره في البدل قولهم عرفت زيداً أبو من هو على أحسن المذاهب في تخريج هذه المسألة أعني في كون الجملة الاستفهامية تكون في موضع البدل .
{ قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو } .
أي الله استأثر بعلمها ولما كان السؤال عن الساعة عموماً ثم خصص بالسؤال عن وقتها جاء الجواب عموماً عنها بقوله { قل إنما علمها عند ربي } ثم خصصت من حيث الوقت فقيل { لا يجليها لوقتها إلا هو } وعلم الساعة من الخمس التي نصّ عليها من الغيب أنه تعالى لا يعلمها إلا الله والمعنى لا يظهرها ويكشفها لوقتها الذي قدّر أن تكون فيه إلا هو قالوا : وحكمة إخفائها أنهم يكونون دائماً على حذر فإخفاؤها أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية كما أخفى الأجل الخاص وهو وقت الموت لذلك ، وقال الزمخشري : لا يجليها لوقتها إلا هو أي لا تزال خفية ولا يظهر أمرها ولا يكشف خفاء علمها إلا هو وحده إذا جاء بها في وقتها بغتة { لا يجليها } بالخبر عنها ، قل : مجيئها أحد من خلقه لاستمرار الخفاء بها على غيره إلى وقت وقوعها انتهى ، وهو كلام فيه تكثير وعجمة .
{ ثقلت في السماوات والأرض } قال ابن جريج معناه { ثقلت } على { السموات والأرض } أنفسها لتفطر السماوات وتبدّل الأرض ونسف الجبال ، وقال الحسن { ثقلت } لهيبتها والفزع منها على أهل السماوات والأرض ، وقال السدي : معنى { ثقلت } خفيت { في السماوات والأرض } فلم يعلم أحد من الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين متى تكون وما خفي أمره ثقل على النفوس انتهى ، ويعبّر بالثقل عن الشدة والصعوبة كما قال : و { يذرون وراءهم يوماً ثقيلاً } أي شديداً صعباً وأصله أن يتعدى بعلى تقول ثقل عليّ هذا الأمر ، وقال الشاعر :
ثقيل على الأعداء *** فإما أن يدّعي أنّ في بمعنى على كما قال بعضهم في قوله { ولأصلبنكم في جذوع النخل } أي ويضمن ثقلت معنى يتعدى بفي ، وقال الزمخشري : أي كل من أهلها من الملائكة والثقلين أهمه شأن الساعة وودّ أن يتجلى له علمها وشقّ عليه خفاؤها وثقل عليه أو ثقلت فيهما لأن أهلهما يتوقعونها ويخافون شدائدها وأهوالها ولأنّ كل شيء لا يطيقها ولا يقوم لها فهي ثقيلة فيهما .
{ لا تأتيكم إلا بغتة } أي فجأة على غفلة منكم وعدم شعور بمجيئها وهذا خطاب عام لكل الناس وفي الحديث « أن الساعة لتهجم والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يسوم سائمته والرجل يخفض ميزانه ويرفعه » { يسألونك كأنك حفي عنها } قال ابن عباس والسدي ومجاهد : { كأنك حفي } بسؤالهم أي محبّ له وعن ابن عباس أيضاً : كأنك يعجبك سؤالهم عنها وعنه أيضاً كأنك مجتهد في السؤال مبالغ في الإقبال على ما تسأل عنه ، وقال ابن قتيبة : كأنك طالب علمها ، وقال مجاهد أيضاً والضحاك وابن زيد : معناه { كأنك حفي } بالسؤال { عنها } والاشتغال بها حتى حصلت عليها أي تحبه وتؤثرة أو بمعنى أنك تكره السؤال لأنها من علم الغيب الذي استأثر الله به ولم يؤته أحداً .
وقال ابن عطية : أي محتف ومحتفل ، وقال الزمخشري : كأنك عالم بها وحقيقته كأنك بليغ في السؤال عنها لأنّ من بالغ في السؤال عن الشيء والتنقير عنه استحكم علمه فيه وهذا التركيب معناه المبالغة ومنه إحفاء الشارب واحتفاء النعل استئصاله وأحفى في المسألة ألحف وحفي بفلان وتحفى به بالغ في البرّ به انتهى ، وعنها إما أن يتعلق بيسألونك أي يسألونك عنها وتكون صلة { حفي } محذوفة والتقدير كأنك حفي بها أي معتن بشأنها حتى علمت حقيقتها ووقت مجيئها أو كأنك حفيّ بهم أو معتن بأمرهم فتجيبهم عنها لزعمهم أن علمها عندك وحفي لا يتعدى بعن قال تعالى : { إنه كان بي حفياً } فعداه بالباء وإما أن يتعلق بحفي على جهة التضمين لأنّ من كان حفياً بشيء أدركه وكشف عنه فالتقدير كأنك كاشف بحفاوتك عنها وإما أن تكون عن بمعنى الباء كما تكون الباء بمعنى عن في قوله ، فإن تسألوني بالنساء فإنني ، أي عن النساء ، وقرأ عبد الله كأنك حفيّ بها بالباء مكان عن أي عالم بها بليغ في العلم بها .
{ قل إنما علمها عند الله } أي علم مجيئها في علم الله وظرفية { عند } مجازية كما تقول النحو عند سيبويه أي في علمه وتكرير السؤال والجواب على سبيل التوكيد ولما جاء به من زيادة قوله { كأنك حفي عنها } .
{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون } قال الطبري : { لا يعلمون } أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظنّ أكثرهم أنه مما يعلمه البشر ، وقيل : { لا يعلمون } أن القيامة حق لأنّ أكثر الخلق ينكرون المعاد ويقولون { إن هي إلا حياتنا الدنيا } الآية .
وقيل : { لا يعلمون } أي أخبرتك أن وقتها لا يعلمه إلا الله .
وقيل { لا يعلمون } السبب الذي لأجله أخفيت معرفة وقتها والأظهر قول الطبري .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.