البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ يَكُن شَيۡـٔٗا مَّذۡكُورًا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإنسان

هذه السورة مكية في قول الجمهور . وقال مجاهد وقتادة : مدنية . وقال الحسن وعكرمة : مدنية إلا آية واحدة فإنها مكية وهي : { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً } . وقيل : مدنية إلا من قوله :{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ } الخ ، فإنه مكي ، حكاه الماوردي . ومناسبتها لما قبلها ظاهرة جدّاً لا تحتاج إلى شرح .

{ هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } .

{ هل } حرف استفهام ، فإن دخلت على الجملة الاسمية لم يمكن تأويله بقد ، لأن قد من خواص الفعل ، فإن دخلت على الفعل فالأكثر أن تأتي للاستفهام المحض .

وقال ابن عباس وقتادة : هي هنا بمعنى قد .

قيل : لأن الأصل أهل ، فكأن الهمزة حذفت واجتزىء بها في الاستفهام ، ويدل على ذلك قوله :

سائل فوارس يربوع لحلتها *** أهل رأونا بوادي النتّ ذي الأكم

فالمعنى : أقد أتى على التقدير والتقريب جميعاً ، أي أتى على الإنسان قبل زمان قريب حين من الدهر لم يكن كذا ، فإنه يكون الجواب : أتى عليه ذلك وهو بالحال المذكور .

وما تليت عند أبي بكر ، وقيل : عند عمر رضي الله تعالى عنهما قال : ليتها تمت ، أي ليت تلك الحالة تمت ، وهي كونه شيئاً غير مذكور ولم يخلق ولم يكلف .

والإنسان هنا جنس بني آدم ، والحين الذي مرّ عليه ، إما حين عدمه ، وإما حين كونه نطفة .

وانتقاله من رتبة إلى رتبة حتى حين إمكان خطابه ، فإنه في تلك المدة لا ذكر له ، وسمي إنساناً باعتبار ما صار إليه .

وقيل : آدم عليه الصلاة والسلام ، والحين الذي مر عليه هي المدة التي بقي فيها إلى أن نفخ فيه الروح .

وعن ابن عباس : بقي طيناً أربعين سنة ، ثم صلصالاً أربعين ، ثم حمأ مسنوناً أربعين ، فتم خلقه في مائة وعشرين سنة ، وسمي إنساناً باعتبار ما آل إليه .

والجملة من { لم يكن } في موضع الحال من الإنسان ، كأنه قيل : غير مذكور ، وهو الظاهر أو في موضع الصفة لحين ، فيكون العائد على الموصوف محذوفاً ، أي لم يكن فيه .