{ التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين } : قال ابن عباس : لما نزل إنّ الله اشترى من المؤمنين الآية قال رجل : يا رسول الله وإن زنا ، وإن سرق ، وإن شرب الخمر : فنزلت التائبون الآية .
وهذه أوصاف الكملة من المؤمنين ذكرها الله تعالى ليستبق إلى التحلي بها عباده ، وليكونوا على أوفى درجات الكمال .
وآية أنّ الله اشترى مستقلة بنفسها ، لم يشترط فيها شيء سوى الإيمان ، فيندرج فيها كل مؤمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، وإن لم تكن فيه هذه الصفات .
والشهادة ماحية لكل ذنب ، حتى روي أنه تعالى يحمل عن الشهيد مظالم العباد ويجازيهم عنه .
وقالت فرقة : هذه الصفات شرط في المجاهد .
والآيتان مرتبطتان فلا يدخل في المبايعة إلا المؤمنون الذين هم على هذه الأوصاف ، ويبذلون أنفسهم في سبيل الله .
وسأل الضحاك رجل عن قوله تعالى : { إن الله اشترى } الآية وقال : لأحملن على المشركين فأقاتل حتى أقتل ، فقال الضحاك : ويلك أين الشرط التائبون العابدون الآية ؟ وهذا القول فيه حرج وتضييق ، وعلى هذين القولين نرتب إعراب التائبون ، فقيل : هو مبتدأ خبره مذكور وهو العابدون ، وما بعده خبر بعد خبر أي : التائبون في الحقيقة الجامعون لهذه الخصال .
وقيل : خبره محذوف بعد تمام الأوصاف ، وتقديره : من أهل الجنة أيضاً وإن لم يجاهد قاله الزجاج كما قال تعالى : { وكلاًّ وعد الله الحسنى } ولذلك جاء : { وبشر المؤمنين } وعلى هذه الأعاريب تكون الآية معناها منفصل من معنى التي قبلها .
وقيل : التائبون خبر مبتدأ محذوف تقديره هم التائبون ، أي الذين بايعوا الله هم التائبون ، فيكون صفة مقطوعة للمدح ، ويؤيده قراءة أبي وعبد الله والأعمش : التايبين بالياء إلى والحافظين نصباً على المدح .
قال الزمخشري : ويجوز أن يكون صفة للمؤمنين ، وقاله أيضاً : ابن عطية .
وقيل : يجوز أن يكون التائبون بدلاً من الضمير في يقاتلون .
قال ابن عباس : التائبون من الشرك .
وقال الحسن : من الشرك والنفاق .
وعن ابن عباس : العابدون بالصلاة .
وعنه أيضاً المطيعون بالعبادة ، وعن الحسن : هم الذين عبدوا الله في السراء والضراء .
وعن ابن جبير : الموحدون السائحون .
قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما : الصائمون شبهوا بالسائحين في الأرض ، لامتناعهم من شهواتهم .
وعن عائشة : سياحة هذه الأمة الصيام ، ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الأزهري : قيل : للصائم سائح ، لأن الذي يسيح في الأرض متعبد لا زاد معه ، كان ممسكاً عن الأكل ، والصائم ممسك عن الأكل .
وقال عطاء : السائحون المجاهدون .
وعن أبي أمامة : أنّ رجلاً استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال : « إنّ سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله » صححه أبو محمد عبد الحق .
وقيل : المراد السياحة في الأرض .
فقيل : هم المهاجرون من مكة إلى المدينة .
وقيل : المسافرون لطلب الحديث والعلم .
وقيل : المسافرون في الأرض لينظروا ما فيها من آيات الله ، وغرائب ملكه نظر اعتبار .
وقيل : الجائلون بأفكارهم في قدرة الله وملكوته .
والصفات إذا تكررت وكانت للمدح أو الذم أو الترحم جاز فيها الاتباع للمنعوت والقطع في كلها أو بعضها ، وإذا تباين ما بين الوصفين جاز العطف .
ولما كان الأمر مبايناً للنهي ، إذ الأمر طلب فعل والنهي ترك فعل ، حسن العطف في قوله : والناهون ودعوى الزيادة ، أو واو الثمانية ضعيف .
وترتيب هذه الصفات في غاية من الحسن ، إذا بدأ أولاً بما يخص الإنسان مرتبة على ما سعى ، ثم بما يتعدى من هذه الأوصاف من الإنسان لغيره وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم بما شمل ما يخصه في نفسه وما يتعدى إلى غيره وهو الحفظ لحدود الله .
ولما ذكر تعالى مجموع هذه الأوصاف أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبشر المؤمنين .
وفي الآية قبلها فاستبشروا أمرهم بالاستبشار ، فحصلت لهم المزية التامة بأن الله أمرهم بالاستبشار ، وأمر رسوله أن يبشرهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.