أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

شرح الكلمات :

{ يحسبون الأحزاب } : أي يحسب أولئك المنافقون الجبناء الأحزاب وهم قريش وغطفان .

{ لم يذهبوا } : أي لم يعودوا إلى بلادهم خائبين .

{ وإن يأت الأحزاب } : أي مرة أخرى فرضاً .

{ يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } : أي من جبنهم وخوفهم يتمنَّون أن لو كانوا في البادية مع سكانها .

{ يسألون عن أنبائكم } : أي إِذَا كانوا في البداية لو عاد الأحزاب يسألون عن أنبائكم أي أخباركم هل انهزمتم أو انتصرتم .

{ ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا } : أي لو كانوا بينكم في الحاضرة ما قاتلوا معكم إلا قليلا .

المعنى :

ما زال السياق في سرد أحداث غزوة الأحزاب فقوله تعالى { يحسبون الأحزاب لم يذهبوا } أي بحسب أولئك المنافقون الجبناء الذين قالوا إن بيوتنا عورة وقالوا لإِخوانهم هلم إلينا أي اتركوا محمداً في الواجهة وحده إنهم لجبنهم ظنوا أن الأحزاب لم يعودوا إلى بلادهم مع أنهم قد رحلوا وهذا منتهى الجبن والخوف وقوله تعالى { وإن يأت الأحزاب } أي مرة أخرى على فرض وتقدير { يودوا } يومئذ { لو أنهم بادون في الأعراب } أي خارج المدينة مع الأعراب في البادية لشدة خوفهم من الأحزاب الغزاة ، وقوله تعالى { يسألون عن أنبائكم } أي أخباركم هل ظَفِرَ بكم الأحزاب أو لا ، { ولو كانوا فيكم } أي بينكم ولم يكونوا في البادية { وما قاتلوا إلا قليلا } وذلك لجبنهم وعدم إيمانهم بفائدة القتال لكفرهم بلقاء الله تعالى وما عنده من ثواب وعقاب هذا ما تضمنته الآية الأولى ( 20 ) .

الهداية :

من الهداية :

- تقرير أن الكفر والنفاق صاحبهما لا يفارقه الجبن والخور والشح والبخل .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

وكأنهم لما ذهب استمرو خاضعين لم يطلقوا ألسنتهم ولا أعلو كلمتهم ، فأخبر تعالى تحقيقاً لقوله الماضي في جبنهم أن المانع الذي ذكره لم يزل من عندهم لفرط جبنهم ، فقال تحقيقاً لذلك وجواباً لمن ربما قال : قد ذهب الخوف فما لهم ما سلقوا ؟ : { يحسبون } أي يظنون لضعف عقولهم في هذا الحال ، وقد ذهب الخوف ، لشدة جبنهم وما رسخ عندهم من الخوف { الأحزاب } وقد علمتم أنهم ذهبوا { لم يذهبوا } بل غابوا خداعاً ، وعبر بالحسبان لأنه - كما مضى عن الحرالي في البقرة{[55326]} - ما تقع غلبته فيما هو من نوع ما فطر الإنسان عليه واستقر عادة له ، والظن فيما هو من المعلوم المأخوذ بالدليل والعلم ، قال : فكان ضعف{[55327]} علم العالم ظن ، وضعف عقل العاقل حسبان .

ولما أخبر عن حالهم في ذهابهم ، أخبر عن حالهم لو وقع ما يتخوفونه من رجوعهم ، فقال معبراً بأداة الشك بشارة لأهل البصائر أنه في عداد المحال : { وإن يأتِ الأحزاب } أي بعد ما ذهبوا { يودّوا } أي يتجدد لهم غاية الرغبة من الجبن وشدة الخوف { لو{[55328]} أنهم بادون } أي فاعلون للبدو وهو الإقامة في البادية على حالة الحل والارتحال { في الأعراب } الذين هم عندهم في محل النقص{[55329]} ، وممن تكره مخالطته ولو كان تمنيهم في ذلك الحين محالاً ؛ ثم ذكر حال فاعل " بادون " فقال : { يسألون } كل وقت { عن أنبائكم } العظيمة معهم جرياً على ما هم عليه من النفاق ليبقوا لهم عندكم وجهاً ، كأنهم مهتمون بكم ، يظهرون بذلك تحرقاً على غيبتهم عن هذه الحرب أو ليخفوا غيبتهم ويظهروا أنهم كانوا بينكم في الحرب بأمارة أنه وقع لكم في وقت كذا أو مكان كذا كذا ، ويكابروا على ذلك من غير استحياء{[55330]} لأن النفاق صار لهم خلقاً لا يقدرون على الانفكاك عنه ، ويرشد إلى هذا المعنى قراءة يعقوب{[55331]} " يسالون " بالتشديد { ولو } أي والحال أنهم لو { كانوا فيكم } أي{[55332]} حاضرين لحربهم{[55333]} { ما قاتلوا } أي معكم { إلا قليلاً } نفاقاً كما فعلوا قبل ذهاب الأحزاب من حضورهم معكم تارة واستئذانهم في الرجوع إلى منازلهم أخرى ، والتعويق لغيرهم بالفعل كرة ، والتصريح بالقول أخرى .


[55326]:زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم ومد فحذفناها.
[55327]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ضعيف.
[55328]:ليس في الأصل فقط.
[55329]:في ظ وم ومد: نقص.
[55330]:زيد من ظ ومد.
[55331]:راجع نثر المرجان 5/393.
[55332]:سقط من ظ.
[55333]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بهم.