أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهٗا} (69)

شرح الكلمات :

{ يا أيها الذين آمنوا } : أي يا من صدقوا بالله ورسوله ولقاء الله وما جاء به رسول الله .

{ لا تكونوا كالذين آذوا موسى } : أي لا تكونوا مع نبيكم كما كان بنو إسرائيل مع موسى إذ آذوه بقولهم إنه ما يمنعه من الاغتسال معنا إلا أنه آدر .

{ فبرأه الله مما قالوا } : أي أراهم أنه لم يكن به أدرة وهي انتفاخ إحدى الخصيتين .

{ وكان عند الله وجيهاً } : أي ذا جاهٍ عظيم عند الله فلا يُخيِّبُ له مسعىً ولا يرد له مطلباً .

المعنى :

قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى ينادى الله تعالى مؤمني هذه الأُمة ناهياً لهم عن أذى نبيّهم بأدنى أذى ، وأن لا يكونوا كبنى اسرائيل الذين آذوا موسى في غير موطن ومن ذلك ما ذكره صلى الله عليه وسلم عنه في قوله من رواية مسلم أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم غلى بعض ، وكان موسى يغتسل وحده فقالوا : ما منعه أن يغتسل معنا إلا أنه آدر ، فذهب يوماً يغتسل فوضع ثوبه على حجر وأخذ يغتسل وإذا بالحجر يهرب بالثوب فيجرى موسى وراءه حتى وقف به على جميع من بني إسرائيل فرأوا أنه ليس به أُدره ولا برص كما قالوا فهذا معنى فبرَّأه الله مما قالوا ، وكان عند الله وجيهاً أي ذا جاه عظيم .

ومما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى أذاه في اتهام زوجه بالفاحشة من قبل أصحاب الإِفك وقول بعضهم له وقد قسم مالاً هذه قسمة ما أُريد به وجه الله .

وقول بعضهم اعدل فينا يا رسول الله فقال له ويحك إذا لم أعدل أنا فمن يعدل ؟

وكان يقول يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ! ! هذا ما دلت عليه الآية الأولى ( 69 ) .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهٗا} (69)

ولما كان السبب في هذا التهديد كله ما كانوا يتعمدونه من أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم : تزوج امرأة ابنه ، وغير ذلك إلى أن{[56145]} ختمه{[56146]} بما يكون سبباً لتمنيهم طاعته ، وكان سماع هذا لطفاً لمن صدق به ، أتبعه ما هو كالنتيجة له فقال : { يا أيها الذين آمنوا } أي صدقوا بما تلي عليهم { لا تكونوا } بأذاكم للرسول صلى الله عليه وسلم بأمر زينب رضي الله عنها أو غيره . كوناً هو كالطبع لكم { كالذين آذوا موسى } من قومه بني إسرائيل آذوه بأنواع الأذى كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم حين قسم قسماً فتكلم فيه بعضهم فقال : لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر ، وأنسب الأشياء للإرادة هنا أذى قارون{[56147]} له بالزانية التي استأجرها{[56148]} لتقذفه بنفسها فبرأة الله من ذلك ، وكان سبب الخسف بقارون ومن معه{[56149]} { فبرأه } أي فتسبب عن أذاهم له أن برأة { الله } أي الذي له صفات الجلال والجمال والقدرة على كل شيء والكمال ، وأفهم التعبير بالتفعيل أن البراءة كانت بالتدريج بالخسف وموت الفجاءة وإبراق عصا هارون كما مضى في آخر القصص . ولما نهى عن التشبه بالمؤذين أعم من أن يكون أذاهم قولياً أو فعلياً ، أشار إلى أن الأذى المراد هنا قولي مثله في أمر زينب رضي الله عنها فقال{[56150]} : { مما قالوا } دون أن يقول : مما آذوا ، وذلك{[56151]} بما أظهره من البرهان على صدقه فخسف بمن آذاه كما مضى في القصص فإياكم ثم إياكم .

ولما كان قصدهم بهذا الأذى إسقاط وجاهته قال : { وكان } أي موسى عليه السلام ، كوناً راسخاً { عند الله } أي الذي لا يذل من والى { وجيهاً * } أي {[56152]}معظماً رفيع{[56153]} القدر إذا سأله أعطاه ، وإذا كان عند الله بهذه المنزلة كان عند الناس بها ، لما يرون من إكرام الله له ، والجملة كالتعليل للتبرئة لأنه لا يبرئ الشخص إلا من كان وجيهاً عنده{[56154]} .


[56145]:زيد من ظ وم ومد.
[56146]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ختم.
[56147]:في ظ: قارون
[56148]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: استأجره.
[56149]:زيد من ظ وم ومد.
[56150]:زيد من ظ ومد.
[56151]:زيد من ظ ومد.
[56152]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: عظيم.
[56153]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: عظيم.
[56154]:زيد من ظ وم ومد.