أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (246)

شرح الكلمات :

{ الملأ } : أشراف الناس من أهل الحل والعقد بينهم إذا نظر المرء إليهم ملأوا عينه رواءً وقلبه هيبة .

{ عسى } : كلمة توقع وترجّ .

{ كتب } : فرض ولزم .

{ ملكا } : يسوسهم في السلم والحرب .

المعنى :

لقد فرض الله تعالى على المؤمنين القتال ، ودارت رحى المعارك بداية من معركة بدر وكان لا بد من المال والرجال الأبطال الشجعان ، فاقتضى هذا الموقف شحذ الهمم وإلهاب المشاعر لتقوى الجماعة المسلمة بالمدينة على مواجهة حرب العرب والعجم معاً ، ومن هنا لمطاردة الجبن والبخل وهما من شر الصفات في الرجال ذكر تعالى حادثة الفارين من الموت التاركين ديارهم لغيرهم كيف أماتهم الله ولم ينجيهم فرارهم ، ثم أحياهم ليكون ذلك عبرة لهم ولغيرهم فالفرار من الموت لا يجدي وإنما يجدي الصبر والصمود حتى النصر ، ثم أمر تعالى المؤمنين بعد أن أخذ ذلك المنظر من نفوسهم مأخذه فقال : { وقاتلوا في سبيل الله } .

ولما كان المال المقدم في القتال فتح الله لهم اكتتابا ماليّاً وضاعف لهم الربح في القرض بشرط خلوصه وطيب النفس به ، ثم قدم لهم هذا العرض التفصيلي لحادثة أخرى تحمل في ثناياها العظات والعبر لمن هو في موقف المسلمين الذين يحاربهم الأبيض والأحمر وبلا هوادة وعلى طول الزمن فقال تعالى : وهو يخاطبهم في شخص نبيهم صلى الله عليه وسلم : { ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله } يريد ألم ينته إلى علمك بإخبارنا إيّاك قول أشراف بني إسرائيل -بعد وفاة موسى- لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله فنطرد أعداءنا من بلادنا ونسترد سيادتنا ونحكم شريعة ربّنا . ونظراً إلى ضعفهم الروحي والبدني والمالي تخوف الني أن لا يكونوا صادقين فيما طالبوه به فقال : { هل عسيتم إن كتب عليكم القتال } بتعيين الملك القائد أن لا تقاتلوا ؟ فدفعتهم الحميّة فقالوا : وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله والحال أنّا قد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ، وذلك أن العدوّ وهم البابليون لما عزوا فلسطين بعد أن فسق بنوا إسرائيل فتبرجت نساؤهم واستباحوا الزنى والربا وعطلوا الكتاب وأعرضوا عن هدى أنبيائهم فسلط الله عليهم هذا العدو الجبار فشردهم فأصبحوا لاجئين .

وما كان من نبي الله شمويل إلا أن بعث من تلك الجماعات الميتة موتا معنوياً رجلا منهم هو طالوت وقادهم فلما دنوا من المعركة جبنوا وتولى أكرثهم منهزمين قبل القتال ، وصدق نبيهم في فراسته إذ قال لهم { فهل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا } .

هذا ماتمنته الآية الأولى ( 246 ) من هذا القصص .