فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (246)

{ الملأ } القوم أو أشراف القوم .

{ هل عسيتم } هل أنتم قريب من التولي ؟

{ وما لنا } وما منعنا وأي شيء لنا في أن لا نقاتل ؟

{ أخرجنا من ديارنا وأبنائنا } طردنا وحيل بيننا وبين الأموال والأبناء والآل .

{ كتب } فرض .

{ تولوا } اضطربت نياتكم وفترت عزائمكم وجبنوا وأعرضوا .

{ ألم تر } أي ألم تعلم ؟ وهو استفهام ربما يراد به التقرير والتعجيب ، والمخاطب إما النبي صلى الله عليه وسلم ينبئه الله تعالى ويقص عليه من أنباء ما سبق تثبيتا للفؤاد ، وترسيخا لليقين والخطاب للنبي خطاب للأمة { إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى } إلى القوم والجماعة {[756]} من أبناء يعقوب عليه السلام ومن ذريته الذين جاءوا من بعد موت موسى صلى الله عليه وسلم ، { إذ قالوا لنبي الله لهم ابعث ملكا نقاتل في سبيل الله } جائز أن يكونوا هم الذين قال لهم الله موتوا ثم أحياهم وأن يكون النبي هو حزقيل وجائز أن يكونوا أقواما غيرهم ونبيا يسمى سمعون أو شمعون لكن لم يحصل العلم بذلك النبي وبأولئك الملأ من الخبر المتواتر ، وخبر الواحد{[757]} لا يفيد إلا الظن ، أما العبرة فالتحريض على الجهاد . سألوا نبيهم أن يقيم لهم ملكا وأميرا قائدا يقاتلون معه أعداءهم ، وكان الملك فيهم -كما روى- في سبط يهودا والنبوة في سبط لاوى . { قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا } ولما أنبأ العليم الخبير أن اليهود أحرص الناس على الحياة وأن الواحد منهم يود لو يعمر ألف سنة وأنهم يخشون ملاقاة أهل الصدق في اللقاء وجاء في محكم التنزيل { لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون . لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر . . }{[758]} ، فكان نبيهم على علم بقعودهم على ملاقاة عدوهم ، وكيف لا وقد قال آباؤهم لكليم الله موسى ولأخيه نبي الله هارون عليهما السلام { . . . فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين }{[759]} فقال النبي الذي طلبوا إليه أن يبعث لهم ملكا وأن ينصب عليهم أميرا وقائدا يجاهدون معه عدوهم قال : هل أنتم قريب من التولي والفرار ؟ يعني أن لا تفوا بما تعدون الله من أنفسكم من الجهاد في سبيله فإنكم أهل نكث وغدر وقلة وفاء بما تعدون-{[760]} .

{ قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين } في الكلام مقدر محذوف يعني لما سألوا نبيهم سأل نبيهم ربهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيل الله فبعث المولى لهم ملكا وفرض عليهم الجهاد فلما جاءهم ما تمنوا أعرضوا واضطربت نياتهم وفترت عزائمهم وجبنوا عن الخروج للقاء العدو وكذلك كان أكثرهم ، لكن قليلا صدقوا ما عاهدوا الله عليه { والله عليم بالظالمين } [ وعيد لهم ولكل مكلف في الإسلام على القعود عن القتال وأي وعيد أبلغ من أن وضع الظالمين موضع الضمير العائد إليهم ] {[761]} مما أورد القرطبي رحمه الله وعن هذا المعنى نهى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا ) رواه الأئمة . 1ه .


[756]:قيل وسموا ملأ لأنهم يملئون العيون هيبة أو لأنهم ملأى بالأحلام والآراء الصائبة وجمعه أملاء كما قال الشاعر وقال لها الأملاء من كل معشر *** وخير أقاويل الرجال سديدها قال الزجاج الملأ الرؤساء سموا بذلك لأنهم ملئوا بما يحتاج إليه من كفايات الأمور وتدبيرها.
[757]:مما نقل محمد ابن إسحق عن وهب بن منبه قال: خلف بعد موسى في بني إسرائيل يوشع بن نون يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله تعالى ثم خلف فيهم حزقيل بن بوزي وهو ابن العجوز ثم إن الله قبض حزقيل وعظمت في بني إسرائيل الأحداث ونسوا ما كان من عهد الله إليهم.. وخلفت فيهم الخلوف وعظمت فيهم الخطايا وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عن كابر فيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون وكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويزحفون به معهم إلا هزم الله ذلك العدو...فلما عظمت أحداثهم وتركوا عهد الله إليهم نزل بهم عدو فخرجوا إليه وأخرجوا معهم التابوت كما كانوا يخرجونه ثم زحفوا به فقوتلوا حتى استلب من أيديهم. فأتى ملكهم إيلاء فأخبر أن التابوت قد أخذ واستلب فمالت عنقه فمات كمدا عليه فمرج أمرهم عليهم ووطئهم عدوهم حتى أصيب من أبنائهم ونسائهم وفيهم نبي لهم قد كان الله بعثه إليهم فكانوا لا يقبلون منه شيئا يقال له شمويل وهو الذي ذكر الله لنبيه محمد {الم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله} إلى قوله {وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} يقول الله {فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم} إلى قوله {إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين} قال ابن إسحق: فكان من حديثهم... فلم يزل ذلك البلاء بهم حتى قالوا له ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله فقال لهم إنه ليس عندكم وفاء ولا صدق ولا رغبة في الجهاد، فقالوا إنما كنا نهاب من الجهاد ونزهد فيه إنا كنا ممنوعين في بلادنا لا يطؤها أحد فلا يظهر علينا فيها عدو فأما إذا بلغ ذلك فإنه لابد من الجهاد فنطيع ربنا في جهاد عدونا ونمنع آبناءنا ونساءنا وذرارينا.
[758]:سورة الحشر الآية 13 ومن الآية 14.
[759]:سورة المائدة من الآية 64. إلى الآية 25.
[760]:من جامع البيان.
[761]:ما بين العلامتين [] مما أورد النيسابوري.