فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (246)

قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الملإ } الكلام فيه كالكلام في قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين خَرَجُوا مِن ديارهم } [ البقرة : 243 ] وقد قدمناه . والملأ : الأشراف من الناس ، كأنهم ملئوا شرفاً . وقال الزجاج : سموا بذلك ؛ لأنهم مَلِئون بما يحتاج إليه منهم ، وهو : اسم جمع كالقوم ، والرهط . ذكر الله سبحانه في التحريض على القتال قصة أخرى جرت في بني إسرائيل بعد القصة المتقدمة ، وقوله : { مِن بَعْدِ موسى } " من " ابتدائية ، وعاملها مقدر ، أي : كائنين من بعد موسى ، أي : بعد وفاته . وقوله : { لِنَبِىّ لهُمُ } قيل : هو شمويل بن يار ابن علقمة ، ويعرف بابن العجوز ، ويقال فيه : شمعون ، وهو : من ولد يعقوب ، وقيل : من نسل هارون ، وقيل : هو يوشع بن نون ، وهذا ضعيف جداً ؛ لأن يوشع هو فتى موسى ، ولم يوجد داود ، إلا بعد ذلك بدهر طويل . وقيل : اسمه إسماعيل . وقوله : { ابعث لَنَا مَلِكًا } أي : أميراً نرجع إليه ، ونعمل على رأيه . وقوله : { نقاتل } بالنون ، والجزم على جواب الأمر ، وبه قرأ الجمهور . وقرأ الضحاك ، وابن أبي عبلة بالياء ، ورفع الفعل على أنه صفة للملك . وقرئ بالنون ، والرفع على أنه حال ، أو كلام مستأنف .

وقوله : { هَلْ عَسَيْتُمْ } بالفتح للسين ، وبالكسر لغتان ، وبالثانية قرأ نافع ، وبالأولى قرأ الباقون . قال في الكشاف : وقراءة الكسر ضعيفة . وقال أبو حاتم : ليس للكسر وجه . انتهى . وقال أبو علي : وجه الكسر قول العرب : هو عَس بذلك ، مثل حَرٍ وشَجٍ ، وقد جاء فَعَل وفَعِل في نحو نَقَم ونَقِم ، فكذلك عسيت وعسيت ، وكذا قال مكي . وقد قرأ بالكسر أيضاً الحسن وطلحة فلا وجه لتضعيف ذلك ، وهو من أفعال المقاربة ، أي : هل قاربتم أن لا تقاتلوا ، وإدخال حرف الاستفهام على فعل المقاربة لتقرير ما هو متوقع عنده ، والإشعار بأنه كائن ، وفصل بين عسى ، وخبرها بالشرط للدلالة على الاعتناء به . قال الزجاج : أن لا تقاتلوا في موضع نصب ، أي : هل عسيتم مقاتلة . قال الأخفش : «أن » في قوله : { وَمَا لَنَا أَلاَّ نقاتل } زائدة . وقال الفراء : هو محمول على المعنى ، أي : وما منعنا ، كما تقول مالك ألا تصلي ، وقيل : المعنى : وأي شيء لنا في أن لا نقاتل . قال النحاس : وهذا أجودها . وقوله : { وَقَدْ أُخْرِجْنَا } تعليل ، والجملة حالية ، وإفراد الأولاد بالذكر ؛ لأنهم الذين وقع عليهم السبي ، أو لأنهم بمكان فوق مكان سائر القرابة { فَلَمَّا كُتِبَ } أي : فرض ، أخبر سبحانه أنهم تولوا لاضطراب نياتهم ، وفتور عزائمهم . واختلف في عدد القليل الذين استثناهم الله سبحانه ، وهم الذين اكتفوا بالغَرْفةَ .

/خ252