غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (246)

246

التفسير : القصة الثانية قصة طالوت ، والملأ اسم جماعة من الناس كالقوم والرهط لأنهم يملؤون العيون هيبةً ، أو لأنهم ملأى بالأحلام والآراء الصائبة وجمعه أملاء . قال : وقال لها الأملاء من كل معشر . وخير أقاويل الرجال سديدها . قال الزجاج : الملأ الرؤساء سموا بذلك لأنهم ملؤا بما يحتج إليه من كفايات الأمور وتدبيرها من قولهم " ملؤ الرجل ملاءة فهو ملؤ " إذا كان مطيقاً له ، لأنهم يتمالؤن أي يتظاهرون ويتساندون . والغرض من إيراد هذه القصة عقيب آية القتال ، ترغيب المكلفين على الجهاد وأن لا يكونوا كمن أمروا بالقتال فخالفوا وظلموا { إذ قالوا لنبيٍ لهم } لم يحصل العلم بذلك النبي وبأولئك الملأ من الخبر المتواتر ، وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن . لكن المقصود وهو الحث على الجهاد حاصل . منهم من قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم هو يوشع بن نون بن أفرايم بن يوسف لقوله تعالى { من بعد موسى } ولكنه لا يلزم منه حصوله من بعده على الاتصال . والأكثرون على أنه أشمويل واسمه بالعربية إسماعيل . وعن السدي هو شمعون سمته أمه بذلك لأنها دعت الله أن يرزقها إياه فسمع دعاءها فسمته شمعون . والسين تصير شيناً بالعبرانية وهو من ولد لاوى بن يعقوب . { ابعث لنا ملكاً } أنهض للقتال معنا أميراً نصدر في تدبير الحرب عن رأيه وتنتظم به كلمتنا . وكان قوام بين إسرائيل بملك يجتمعون عليه يجاهد الأعداء ويجري الأحكام ، ونبي يطيعه الملك ويقيم أمر دينهم ويأتيهم بالخبر من ربهم { نقاتل في سبيل الله } بالنون والجزم على الجواب وهي القراءة المشهورة . وقرئ بالنون والرفع على أنه حال أي ابعث لنا ملكاً مقدرين القتال ، أو استئناف كأنه قال لهم . ما تصنعون بالملك ؟ فقالوا : نقاتل . وقرئ " يقاتل " بالياء والجزم على الجواب ، وبالرفع على أنه صفة ل { ملكاً } و{ هل عسيتم } خبره { أن لا تقاتلوا } والشرط فاصل بينهما ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه المذكور أي إن كتب عليكم القتال فهل يتوقع منكم الجبن والخور ؟ وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت أن المتوقع كائن وأنه صائب في توقعه { وما لنا ألا نقاتل } قال المبرد : " ما " نافية أي ليس لنا ترك القتال . والأكثرون على أنه للاستفهام ، وأورد عليه أنه خلاف المشهور فإنه لا يقال : ما لك أن لا تفعل كذا ، وإنما يقال : مالك لا تفعل . فعن الأخفش أن " أن " زائدة أي ما لنا لا نقاتل . ورد بأن الزيادة خلاف الأصل ولاسيما في كلام رب العزة . وعن الفراء أن الكلام محمول على المعنى لأن قولك " ما لك لا تقاتل " معناه ما منعك أن تقاتل ، فلما ذهب إلى معنى المنع حسن إدخال " أن " فيه . وعن الكسائي : واستحسنه الفارسي أن التقدير أيّ شيء لنا وأيّ داع أو غرض في ترك القتال فسقطت كلمة " في " على القياس { وقد أخرجنا } أي وحالنا أنا أخرجنا من ديارنا بالسبي والقهر على نواحيها ، ومن بلغ منه العدو هذا المبلغ فالظاهر منه الاجتهاد في قمع عدوّه . روي أن قوم جالوت كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين ، فأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين . وههنا محذوف التقدير : فسأل الله تعالى ذلك فبعث لهم ملكاً وكتب عليهم القتال . { فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم } وهم الذين عبروا النهر وسيأتي ذكرهم وأنهم كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر علىعدد أهل بدر . { والله عليم بالظالمين } وعيد لهم ولكل مكلف في الإسلام على القعود عن القتال . وأي وعيد أبلغ من أن وضع الظالمين موضع الضمير العائد إليهم .

/خ251