فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (246)

ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين 246

( ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل ) الكلام فيه كالكلام في قوله ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم ) وقد قدمناه ، والملأ الأشراف من الناس كأنهم ملؤا شرفا ، وقال الزجاج : سموا بذلك لأنهم مليؤن بما يحتاج إليه منهم ، وهو اسم جمع كالقوم والرهط لا واحد له من لفظه ، قال الفراء الملأ الرجال في كل القرآن ويجمع على املاء مثل سبب وأسباب .

ذكر الله سبحانه في التحريض على القتال قصة أخرى جرت في بني إسرائيل بعد القصة المتقدمة ، والمعنى كائنين ( من بعد ) وفاة ( موسى إذ قالوا لنبي لهم ) قل هو شمويل بن يال ابن علقمة ويعرف بابن العجوز ، ويقال فيه شمعون وهو من ولد يعقوب ، وقيل من نسل هرون ، وقيل هو يوشع بن نون وهذا ضعيف جدا لأن يوشع هو فتى موسى ولم يوجد داود إلا بعد ذلك بدهر طويل ، وقيل هو بالعربية اسمعيل قاله أبو السعود .

( ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ) المراد بالملك الأمير أي نرجع إليه ونعمل على رأيه ( قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا ) عسى من أفعال المقاربة أي فهل قاربتم أن لا تقاتلوا وإدخال الاستفهام على فعل المقاربة لتقرير ما هو متوقع عنده والإشعار بأنه كائن ، وفصل بين عسى وخبرها بالشرط للدلالة على الاعتناء به .

( قالوا وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله ) قيل المعنى وأي شيء لنا أن لا نقاتل ، وقيل غير ذلك قال النحاس : هذا أجودها ( وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ) إفراد الأولاد بالذكر لأنهم الذين وقع عليهم السبي أو لأنهم بمكان فوق مكان سائر القرابة ، وهذا كلام عام والمراد منه خاص لأن القائلين لنبيهم ما ذكر كانوا في ديارهم ، وإنما أخرج بعض آخر غيرهم .

ثم أخرج سبحانه أنهم تولوا لما فرض عليهم القتال لاضطراب نياتهم وفتور عزائمهم فقال .

( فلما كتب عليهم القتال تولوا ) بعد مشاهدة كثرة العدو وشوكته{[245]} .

( إلا قليلا منهم ) واختلف في عدد قليل الذين استثناهم الله سبحانه وهم الذين اكتفوا بالغرفة .

( والله عليم بالظالمين ) أي عالم بمن ظلم نفسه حين خالف أمر ربه ولم يف بما قال وهم بقية السبعين ألفا وهم من عدا القليل المذكور .


[245]:لذلك كان توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن تمني لقاء العدو. فقد روي."لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموه فاثبتوا". وفي رواية"لا تتمنوا لقاء العدو واذا لقيتموهم فاصبروا"رواه البخاري ومسلم عن ابي هريرة.