التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَٱلنَّـٰزِعَٰتِ غَرۡقٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة النازعات

مكية وآياتها 46 نزلت بعد النبأ

اختلف في معنى النازعات والناشطات والسابقات والسابحات والمدبرات ، فقيل : إنها الملائكة وقيل : النجوم ، فعلى القول بأنها الملائكة سماهم نازعات لأنهم ينزعون نفوس بني آدم من أجسادهم وناشطات لأنهم ينشطونها أي : يخرجونها فهو من قولك : نشطت الدلو من البئر إذا أخرجتها وسابحات لأنهم يسبحون في سيرهم أي : يسرعون فيسبقون فيدبرون أمور العباد والرياح والمطر وغير ذلك حسبما يأمرهم الله وعلى القول بأنها النجوم سماها نازعات لأنها تنزع من المشرق إلى المغرب وناشطات لأنها تنشط من برج إلى برج وسابحات لأنها تسبح في الفلك ومنه { كل في فلك يسبحون } [ الأنبياء : 33 ] فتسبق في جريها فتدبر أمرا من علم الحساب ، وقال ابن عطية : لا أعلم خلافا أن المدبرات أمرا الملائكة وحكى الزمخشري فيها ما ذكرنا وقد قيل : في النازعات والناشطات أنها النفوس تنزع من معنى النزع بالموت فتنشط من الأجساد ، وقيل : في السابحات والسابقات أنها الخيل وأنها السفن .

{ غرقا } إن قلنا النازعات الملائكة ففي معنى غرقا وجهان :

أحدهما : أنها من الغرق أي : تغرق الكفار في جهنم .

والآخر : أنه من الإغراق في الأمر بمعنى المبالغة فيه أي : تبالغ في نزعها فتقطع الفلك كله ، وإن قلنا إنها النفوس فهو أيضا من الإغراق أي : تغرق في الخروج من الجسد والإعراب غرقا مصدر في موضع الحال ، ونشطا وسبحا وسبقا مصادر ، وأمرا مفعول به ، وجواب القسم محذوف وهو بعث الموتى بدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة ، وقيل : الجواب يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة على تقدير حذف لام التأكيد ، وقيل : هو { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } [ النازعات : 26 ] وهذا بعيد لبعده عن القسم ولأنه إشارة إلى قصة فرعون لا لمعنى القسم .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلنَّـٰزِعَٰتِ غَرۡقٗا} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية وآياتها ست وأربعون . وهي مبدوءة بجملة أقسام ، إذ يقسم الله بأجزاء من خلقه على أن الساعة حق وأن الناس مبعثون من قبورهم ليساقوا إلى المحشر حيث الحساب والجزاء .

وفي السورة تذكير بقصة موسى { إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى } إذ أمره الله أن يذهب إلى فرعون فينذره ويحذره فظاعة ظلمه وطغيانه لكنه بشقوته أبى وعتا واستكبر ، وقال مقالته الظالمة النكراء { أنا ربكم الأعلى } فانتقم الله منه بذلك أشد انتقام جزاء مقالته هذه والتي سبقتها وهي قوله : { ما علمت لكم من إله غيري } .

وفي السورة تذكير بجيئة الطامة الكبرى . لا جرم أن التسمية بهذا الاسم القارع المثقل ، يصوّر للأذهان والأخيلة والجنان فظاعة هذا الحدث الكوني المرعب الذي توضع فيه الموازين ، وتجتمع فيه الخلائق كافة لتناقش الحساب . وحينئذ تغشى الناس غاشية من الذعر والحسرة والندم ، وليس لها من دون كاشفة ولا منجاة .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والنازعات غرقا 1 والناشطات نشطا 2 والسابحات سبحا 3 فالسابقات سبقا 4 فالمدبرات أمرا 5 يوم ترجف الراجفة 6 تتبعها الرادفة 7 قلوب يومئذ واجفة 8 أبصارها خاشعة 9 يقولون أإنّا لمردودون في الحافرة 10 أإذا كنا عظاما نخرة 11 قالوا تلك إذا كرّة خاسرة 12 فإنما هي زجرة واحدة 13 فإذا هم بالساهرة } .

هذه أشياء من خلق الله قد أقسم الله بها على أن القيامة حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها فقال سبحانه : { والنازعات غرقا } فقد أقسم الله بالنازعات وهي الملائكة التي تنزع أرواح الأشقياء والظالمين بغلظة وفظاظة { غرقا } منصوب على المصدر . أي تقذفها في النار عقب انتزاعها من الأجساد .