غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلنَّـٰزِعَٰتِ غَرۡقٗا} (1)

مقدمة السورة:

( سورة النازعات وهي مكية حروفها سبعمائة وثلاثون وآياتها ست وأربعون وكلمها مائة وسبعون ) .

1

التفسير : في الكلمات الخمس المذكورة في أول السورة وجوه على نسق ما سبق في المرسلات أحدها : أنها صفات طوائف الملائكة الذين ينزعون نفوس الكفرة من بني آدم غرقاً أي نزعاً بشدّة من أقاصي الأجساد من أناملها وأظفارها . والغرق والإغراق في اللغة واحد يقال : نزع في القوس فأغرق أي بلغ غايته حتى انتهى إلى النصل ، وبالذين يجذبون نفوس المؤمنين برفق ولين كما ينشط الدلو من البئر ، وبالطوائف التي تسبح في مضيها أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر بإذن الله أمراً من أمور العباد أو جنس الأمر . قال مقاتل : يعني بهذه الطوائف جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وأعوان كل منهم . فجبريل موكل بالرياح والجنود ، وميكائيل موكل بالقطر والنبات ، وإسرافيل بنفخ الصور ، وملك الموت عزرائيل وأعوانه بقبض الأرواح . قال الإمام فخر الدين الرازي : النازعات هم الذين نزعوا أنفسهم عن الصفات البشرية والأخلاق الذميمة من الشهوة والغضب والموت والهرم والسقم لأنهم جواهر روحانية مجردة ، والناشطات إشارة إلى أن خروجهم من هذه الأحوال ليس على سبيل الكلفة والمشقة ولكنه بمقتضى الطبيعة والماهية .

والسابحات هم الذين سبحوا في بحار جلال الله فسبق بعضهم بعضاً في ميدان العرفان وحلبة البرهان فدبروا أمر العالم العلوي والعالم السفلي بإذن مبدعهم المنّان . أقول : ويمكن حمل هذه الأمور على مراتب النفس الإنسانية بمثل التقدير المذكور .

الوجه الثاني وهو قول الحسن البصري أنها النجوم وتلخيص ذلك على الوجه المطابق للغة والشريعة أنها تغرق شبه النزع من المشرق إلى المغرب بالحركة السريعة ، وتنشط نشطاً أي تخرج من برج إلى برج من قولك " ثور ناشط " إذا خرج من بلد إلى بلد ، وهذا بحركته البطيئة الثابتة . وأما السابحات فهي السيارة كقوله { كل في فلك يسبحون } [ الأنبياء : 33 ] ولأن سيرها المتفاوت يصير سبباً لسبق بعضها بعضاً ، ويترتب على السبق الاتصالات والانصرافات ومعرفة الفصول والأوقات وتقدّم العلم بالكائنات بل العالم السفلي وتدبيراتها مناط بتلك الحركات بإذن خالق الأرض وفاطر السماوات فلهذا أدخل الفاء في القرينتين الأخريين دون الأوليات . الوجه الثالث أنها صفات خيل الغزاة تنزع في أعنتها نزعاً ، تغرق الأعنة فيه لطول أعناقها لأنها عراب ، وهي ناشطات تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب ، وهي سابحات تسبح في جريها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر وتتسبب فيه . الوجه الرابع وهو اختيار أبي مسلم النازعات أيدي الغزاة وأنفسهم تنزع القسي بإعراق السهام ، والناشطات السهام الخارجة من أيديهم أو قسيهم ، والسابحات الخيل العاديات أو الإبل ، والمدبرات بمعنى المعقبات لأنها تأتي في أدبار هذه الأفاعيل بأمر الغلبة والنصر .

/خ46