{ يا أيها الناس } لما قدم اختلاف الناس في الدين وذكر ثلاث طوائف : المؤمنين ، والكافرين والمنافقين ، أتبع ذلك بدعوة الخلق إلى عبادة الله وجاء بالدعوة عامة للجميع لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الناس .
{ اعبدوا ربكم } يدخل فيه الإيمان به سبحانه وتوحيده وطاعته ، فالأمر بالإيمان به لمن كان جاحدا ، والأمر بالتوحيد لمن كان مشركا ، والأمر بالطاعة لمن كان مؤمنا .
{ لعلكم } يتعلق بخلقكم : أي خلقكم لتتقوه كقوله :{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }[ الذاريات : 56 ] أو بفعل مقدر من معنى الكلام : أي دعوتكم إلى عبادة الله لعلكم تتقون ، وهذا أحسن . وقيل يتعلق بقوله :{ اعبدوا } وهذا ضعيف .
وإن كانت لعل للترجي فتأويله أنه في حق المخلوقين جريا على عادة كلام العرب .
وإن كانت للمقاربة أو التعليل فلا إشكال ، والأظهر فيها : أنها لمقاربة الأمر نحو عسى ، فإذا قالها الله : فمعناها أطباع العباد ، وهكذا القول فيها حيث ما وردت في كلام الله تعالى .
{ الأرض فراشا } تمثيل لما كانوا يقعدون وينامون عليها كالفراش فهو مجاز وكذلك السماء بناء .
{ من الثمرات } من للتبعيض أو لبيان الجنس ، لأن الثمرات هو المأكول من الفواكه وغيرها والباء في به سببية ، أو كقولك : كتبت بالقلم لأن الماء سبب في خروج الثمرات بقدرة الله تعالى .
{ فلا تجعلوا } لا ناهية أو نافية ، وانتصب الفعل بإضمار أن بعد الفاء في جواب اعبدوا والأول أظهر .
{ أندادا } يراد به هنا الشركاء المعبودون مع الله جل وعلا .
{ وأنتم تعلمون } حذف مفعوله مبالغة وبلاغة أي وأنتم تعلمون وحدانيته بما ذكر لكم من البراهين ، وفي ذلك بيان لقبح كفرهم بعد معرفتهم بالحق ، ويتعلق قوله ب { لا تجعلوا } بما تقدم من البراهين ، ويحتمل أن يتعلق بقوله : { اعبدوا } والأول أظهر .
الأولى : هذه الآية ضمنت دعوة الخلق إلى عبادة الله بطريقين :
أحدهما : إقامة البراهين بخلقتهم ، وخلقة السماوات والأرض والمطر والثمرات .
والآخر : ملاطفة جميلة بذكر ما لله عليهم من الحقوق ، ومن الإنعام ، فذكر أولا ربوبيته لهم ، ثم ذكر خلقته لهم وآباءهم ، لأن الخالق يستحق أن يعبد ، ثم ذكر ما أنعم الله به عليهم من جعل الأرض فراشا والسماء بناء ، ومن إنزال المطر ، وإخراج الثمرات ، لأن المنعم يستحق أن يعبد ويشكر ، وانظر قوله : { جعل لكم } . و{ رزقا لكم } : يدلك على ذلك ، لتخصيصه ذلك بهم في ملاطفة وخطاب بديع .
الثانية : المقصود الأعظم من هذه الآية : الأمر بتوحيد الله وترك ما عبد من دونه لقوله في آخرها :{ فلا تجعلوا لله أندادا } ، وذلك هو الذي يترجم عنه بقولنا : لا إله إلا الله ، فيقتضي ذلك الأمر بالدخول في دين الإسلام الذي قاعدته التوحيد ، وقول : لا إله إلا الله : تكون في القرآن ذكر المخلوقات ، والتنبيه على الاعتبار في الأرض والسماوات والحيوان والنبات والرياح والأمطار والشمس والقمر والليل والنهار ، وذلك أنها تدل بالعقل على عشرة أمور : وهي :
أن الله موجود ، لأن الصنعة دليل على الصانع لا محالة .
وأنه واحد لا شريك له ، لأنه لا خالق إلا هو { أفمن يخلق كمن لا يخلق }[ النحل : 17 ] .
وأنه حي قدير عالم مريد ، لأن هذه الصفات الأربع من شروط الصانع ، إذ لا تصدر صنعة عمن عدم صفة منها .
وأنه قديم لأنه صانع للمحدثات ، فيستحيل أن يكون مثلها في الحدوث .
وأنه باق ، لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه .
وأنه حكيم ، لأن آثار حكمته ظاهرة في إتقانه للمخلوقات وتدبيره للملكوت . وأنه رحيم ، لأن في كل ما خلق منافع لبني آدم ، سخر لهم ما في السماوات ، وما في الأرض ، وأكثر ما يأتي ذكر المخلوقات في القرآن في معرض الاستدلال على وجوده تعالى ، وعلى وحدانيته .
فإن قيل : لم قصر الخطاب بقوله :{ لعلكم تتقون } على المخاطبين دون الذين من قبلهم ، مع أنه أمر الجميع بالتقوى ؟ فالجواب : أنه لم يقصره عليهم ، ولكنه غلب المخاطبين على الغائبين في اللفظ ، والمراد الجميع .
فإن قيل : هلا قال لعلكم تعبدون مناسبة لقوله اعبدوا ؟ فالجواب : أن التقوى غاية العبادة وكمالها فكان قوله :{ لعلكم تتقون } أبلغ وأوقع في النفوس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.