فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (21)

{ يا أيها الناس } لم يقع النداء في القرآن بغير " يا " من الأدوات والنداء في الأصل طلب الإقبال والمراد به هنا التنبيه وأي مبني على الضم في محل نصب والناس نعت لأي على اللفظ وحركته إعرابية وحركة أي بنائية ، واستشكل رفع التابع مع عدم عامل الرفع ، والنداء على سبع مراتب : نداء مدح كقوله : { يا أيها النبي } و { ياأيها الرسول } ، ونداء ذم كقوله : { يا أيها الذين هادوا } { يا أيها الذين كفروا } ونداء تنبيه كقوله : { يا أيها الإنسان } { يا أيها الناس } ونداء إضافة كقوله : { يا عبدي } ونداء نسبة كقوله : { يا بني آدم } { يا بني إسرائيل } ، ونداء تسمية كقوله : { يا داوود } { يا ابراهيم } ، ونداء تضيف كقوله : { يا أيها الكتاب } ، قاله الكرخي .

قال ابن عباس { يا أيها الناس } خطاب لأهل مكة ويا أيها الذين آمنوا خطاب لأهل المدينة وهو هنا خطاب عام لسائر المكلفين ، والحق أن ما قاله ابن عباس أكثري لا كلي ، فإن البقرة والنساء والحجرات مدنيات وفاقا ، وقد قال في كل منها يا أيها الناس{[81]} .

{ أعبدوا ربكم الذي خلقكم } قال ابن عباس وحدوا ، وكل ما ورد في القرآن من العبادة قيل معناه التوحيد . وأصل العبادة غاية التدلل ، وقد تقدم نفسيرها والمعنى ابتدع خلقكم من غير مثال سبق ، وإنما خص نعمة الخلق وامتن بها عليهم لأن جميع النعم مترتبة عليها وهي أصلها الذي لا يوجد شيء منها بدونها ، وأيضا فالكفار يقرون بأن الله هو الخالق { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } فامتن عليهم بما يعترفون به فلا ينكرونه ، وفي أصل معنى الخلق وجهان أحدهما التقدير يقال خلقت الأديم إذا قدرته قبل القطع { الثاني } الإنشاء والاختراع والإبداع .

{ والذين من قبلكم } بالذات أو الزمان أي وخلقهم { ولعلكم تتقون } ولعل أصلها الترجي والطمع والتوقع والإشفاق ، وذلك مستحيل على الله تعالى ولكنه لما كان في المخاطبة منه للبشر كان بمنزلة قوله لهم افعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع ، وبهذا قال جماعة من أهل العربية منهم سيبويه ، وقيل بمعنى لام كي أي لتتقوا وبهذا قال جماعة منهم قطرب والطبري ، وقيل إنها بمعنى التعرض للشيء كأنه قال متعرضين للتقوى وإليه مال أبو البقاء وغيره .


[81]:وقد اختلف العلماء فيمن عنى بهذا الخطاب وعلى أربعة أقوال. أنه عام لجميع الناس وهو قول ابن عباس أنه خطاب لليهود دو نغيرهم قاله الحسن ومجاهد. أنه خطاب للكفار من مشرعي العرب وغيرهم قاله السدي. أنه خطاب للمنافقين واليهود قاله مقاتل انظر (زاد المسير 1/47).