التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (23)

{ وإن كنتم في ريب } الآية إثبات لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم بإقامة الدليل على أن القرآن جاء به من عند الله فلما قدم إثبات الألوهية أعقبها بإثبات النبوة .

فإن قيل : كيف قال :{ إن كنتم في ريب } ، ومعلوم أنهم كانوا في ريب ، وفي تكذيب ؟ فالجواب : أنه ذكر حرف " إن " إشارة إلى أن الريب بعيد عند العقلاء في مثل هذا الأمر الساطع البرهان ، فلذلك وضع حرف التوقع والاحتمال في الأمر الواقع لبعد وقوع الريب وقبحه عند العقلاء وكما قال تعالى :{ لا ريب فيه } .

{ على عبدنا } هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والعبودية على وجهين : عامة : وهي التي بمعنى الملك ، وخاصة : وهي التي يراد بها التشريف والتخصيص ، وهي من أوصاف أشراف العباد ولله در القائل :

لا تدعني إلا بيا عبدها *** فإنه أشرف أسمائي

{ فأتوا بسورة } أمر يراد به التعجيز { من مثله } الضمير عائد على ما أنزلنا وهو القرآن ، ومن بيان الجنس ، وقيل : يعود على النبي صلى الله عليه وسلم ، ف " من " على هذا : لابتداء الغاية من بشر مثله ، والأول أرجح لتعيينه في يونس وهود ، وبمعنى مثله في فصاحته ، وفيما تضمنه من العلوم ، والحكم العجيبة ، والبراهين الواضحة .

{ شهداءكم } آلهتكم أو أعوانكم أو من يشهد لكم .

{ من دون الله } أي : غير الله ، وقيل : هو من الدين الحقير فهو مقلوب اللفظ .