بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (21)

{ يا أيها الناس اعبدوا رَبَّكُمُ } ، أي أطيعوا ربكم ويقال : وحّدوا ربكم . وهذه الآية عامة ، وقد تكون كلمة { يا أيها الناس } خاصة لأهل مكة وقد تكون عامة لجميع الخلق ، فهاهنا { يا أَيُّهَا الناس } لجميع الخلق . يقول للكفار : وحدوا ربكم ، ويقول للعصاة : أطيعوا ربكم ، ويقول للمنافقين : أخلصوا بالتوحيد معرفة ربكم ، ويقول للمطيعين : اثبتوا على طاعة ربكم . واللفظ يحتمل هذه الوجوه كلها ، وهو من جوامع الكلم . واعلم أن النداء في القرآن على ست مراتب : نداء مدح ، ونداء ذم ، ونداء تنبيه ، ونداء إضافة ، ونداء نسبة ، ونداء تسمية . فأما نداء المدح فمثل قوله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا } { يا أيها النبي } { يا أيها الرسل } . ونداء الذم مثل قوله تعالى : { يا أيهالذين كَفَرُواْ } { يا أيها الذين هَادُواْ } . ونداء التنبيه مثل قوله تعالى : { يا أيها الإنسان } { يا أَيُّهَا الناس } . ونداء الإضافة مثل قوله تعالى : { يا عِبَادِي } ونداء النسبة مثل قوله : { يا بني آدم } { يا بَنِي إسرائيل } ونداء التسمية مثل قوله تعالى : { يا دَاوُودُ } { يا إِبْرَاهِيمَ } والنداء السابع : نداء التعنيف مثل قوله تعالى :{ يا اهل الكتاب } فهاهنا ذكر نداء التنبيه فقال : { يا أَيُّهَا الناس } ، أخبر بالنداء أنه يريد أن يأمر أمراً أو ينهى عن شيء . ثم بيّن الأمر فقال : { اعبدوا رَبَّكُمُ } ، يعني وحدوا وأطيعوا { الذى خَلَقَكُمْ } ، معناه : أطيعوا ربكم الذي هو خالقكم ، فخلقكم ولم تكونوا شيئاً { والذين مِن قَبْلِكُمْ } ، يعني وخلق الذين من قبلكم { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } المعصية وتنجون من العقوبة .