الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (21)

قوله تعالى : { يا أيها الناس اعبدوا رَبَّكُمُ } [ البقرة :21 ] .

{ يَا } : حرفُ نداءٍ ، وفيه تنبيهٌ ، و«أَيُّ » هو المنادى ، قال مجاهد : { يا أيها الناس } حيث وقع في القرآن مَكِّيٌّ ، و { يا أيها الذين ءَامَنُواْ } مدنيٌّ .

قال : ( ع ) : قد تقدَّم في أول السورة أنها كلها مدنية ، وقد يجيء في المَدَنِيِّ : { يا أيها الناس } .

وأما قوله في : { يا أيها الذين ءَامَنُواْ } فصحيح .

{ اعبدوا رَبَّكُمُ }[ البقرة :21 ] . : معناه : وحِّدوه ، وخصوه بالعبادة ، وذكر تعالى خلقه لهم إِذ كانت العرب مقرة بأن اللَّه خلقها ، فذكر ذلك سبحانه حجةً عليهم ، و{ لعل } في هذه الآية قال فيها كثيرٌ من المفسِّرين : هي بمعنى إيجاب التقوى ، وليست من اللَّه تعالى بمعنى ترجٍّ وتوقُّع ، وفي «مختصر الطَّبَرِيِّ » { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[ البقرة :21 ] . عن مجاهد أي : لعلَّكم تطيعون ، والتقوَى التوقِّي من عذاب اللَّه بعبادته وهي من الوقاية ، وأما «لَعَلَّ » هنا ، فهي بمعنى «كَيْ » أو «لامِ كَيْ » ، أي : لتتقوا ، أوْ لكَيْ تتقوا ، وليست هنا من اللَّه تعالى بمعنى الترجِّي ، وإنما هي بمعنى كَيْ ، وقد تجيء بمعنى «كَيْ » في اللغة ، قال الشاعر : ( الطويل )

وَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الحُرُوبَ لَعَلَّنَا *** نَكُفُّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ

انتهى .

قال : ( ع ) ، وقال سيبويه ، ورؤساءُ اللِّسَان : هي على بابها ، والترجِّي والتوقُّع إنما هو في حيز البشر ، أي : إذا تأملتم حالكم مع عبادة ربكم ، رجَوْتُمْ لأنفسكم التقوى ، و«لَعَلَّ » : متعلِّقة بقوله : { اعبدوا }[ البقرة :21 ] . ، ويتجه تعلُّقها بخَلَقَكُمْ أي : لَمَّا وُلِدَ كلُّ مولود على الفطرة ، فهو إِن تأمله متأمِّل ، توقَّع له ورجا أن يكون متقياً ، و«تَتَّقُونَ » مأخوذ من الوقاية ، وجعل بمعنى «صَيَّرَ » في هذه الآية لتعدِّيها إِلى مفعولين .