التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولٗا} (37)

{ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه } هو زيد بن حارثة الكلبي ، وإنعام الله عليه بالإسلام وغيره وإنعام النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق وكانت عند زيد زينب بنت جحش وهي بنت أميمة عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، فشكا زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوء معاشرتها وتعاظمها عليه ، وأراد أن يطلقها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمسك عليك زوجك واتق الله ، يعني فيما وصفها به من سوء المعاشرة واتق الله ولا تطلقها فيكون نهيا عن الطلاق على وجه التنزيه ) ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( أبغض المباح إلى الله الطلاق ) { وتخفي في نفسك ما الله مبديه } الذي أخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر جائز مباح لا إثم فيه ولا عتب ولكنه خاف أن يسلط الله عليهم ألسنتهم وينالوا منه ، فأخفاه حياء وحشمة وصيانة لعرضه ، وذلك أنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان حريصا على أن يطلق زيد زينب ليتزوجها هو صلى الله عليه وسلم لقرابتها منه ولحسبها ، فقال ( أمسك عليك زوجك ) وهو يخفي الحرص عليها خوفا من كلام الناس لئلا يقولوا تزوج امرأة ابنه إذ كان قد تبناه ، فالذي أخفاه صلى الله عليه وسلم هو إرادة تزوجها فأبدى الله ذلك بأن قضى له بتزوجها ، فقالت عائشة : ( لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية لشدتها عليه ) ، وقيل : إن الله كان أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج زينب بعد طلاق زيد ، فالذي أخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعلمه الله به من ذلك .

{ فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } لم يذكر أحد من الصحابة في القرآن باسمه غير زيد بن حارثة ، والوطر الحاجة ، قال ابن عطية : ويراد به هنا الجماع ، والأحسن أن يكون أعم من ذلك أي : لما لم يبق لزيد فيها حاجة زوجها الله من نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأسند الله تزويجها إليه تشريفا لها ، ولذلك كانت زينب تفتخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول إن الله زوجني نبيه من فوق سبع سموات ، واستدل بعضهم بقوله : { زوجناكها } على أن الأولى أن يقال في كتاب الصداق أنكحه إياها بتقديم ضمير الزوج على ضمير الزوجة كما في الآية .

{ لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم } المعنى أن الله زوج زينب امرأة زيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلم المؤمنين أن تزوج نساء أدعيائهم حلال لهم فإن الأدعياء ليسوا لهم بأبناء حقيقة .