الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولٗا} (37)

أخرج البزار وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : جاء العباس ، وعلي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا « يا رسول الله جئناك لتخبرنا أي أهلك أحب إليك ؟ قال : أحب أهلي إليَّ فاطمة . قالا : ما نسألك عن فاطمة قال : فأسامة بن زيد الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه . قال علي رضي الله عنه : ثم من يا رسول الله ؟ قال : ثم أنت ، ثم العباس . فقال العباس رضي الله عنه : يا رسول الله جعلت عمك آخراً قال : إن علياً سبقك بالهجرة » .

وأخرج عبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه . أن هذه الآية { وتخفي في نفسك ما الله مبديه } نزلت في شأن زينب بنت جحش ، وزيد بن حارثة .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري والترمذي وابن المنذر والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس رضي الله عنه قال « جاء زيد بن حارثة رضي الله عنه يشكو زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اتق الله وامسك عليك زوجك فنزلت { وتخفي في نفسك ما الله مبديه } قال : أنس رضي الله عنه فلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً لكتم هذه الآية . فتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها . ذبح شاة { فلما قضى زيد منها وطرا زوّجناكها } فكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : زوّجكن أهاليكن ، وزوّجني الله من فوق سبع سموات » .

وأخرج ابن سعد وأحمد والنسائي وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال : لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد « اذهب فاذكرها عليَّ فانطلق قال : فلما رأيتها عظمت في صدري ، فقلت : يا زينب أبشري أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك قالت : ما أنا بصانعة شيئاً حتى أوامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليها بغير إذن ، ولقد رأيتنا حين دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا عليها الخبز واللحم ، فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعته ، فجعل يتبع حُجَرَ نسائه يسلم عليهن ويقلن : يا رسول الله كيف وجدت أهلك ؟ فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبر ، فانطلق حتى دخل البيت ، فذهبت ادخل معه ، فألقى الستر بيني وبينه ، فنزل الحجاب ووعظ القوم بما وعظوا به { لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم . . . } » .

وأخرج ابن سعد والحاكم عن محمد بن يحيى بن حيان رضي الله عنه قال « جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت زيد بن حارثة يطلبه ، وكان زيد إنما يقال له زيد بن محمد ، فربما فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيجيء لبيت زيد بن حارثة يطلبه فلم يجده ، وتقوم إليه زينب بنت جحش زوجته ، فاعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقالت : ليس هو ههنا يا رسول الله فادخل ، فأبى أن يدخل ، فأعجبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم منه إلا ربما أعلن ، سبحان الله العظيم ، سبحان مصرف القلوب ، فجاء زيد رضي الله عنه إلى منزله ، فأخبرته امرأته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزله فقال زيد رضي الله عنه : إلا قلت له أن يدخل قالت : قد عرضت ذلك عليه فأبى قال : فسمعت شيئاً قالت : سمعته حين ولى تكلم بكلام ولا أفهمه ، وسمعته يقول : سبحان الله ، سبحان مصرف القلوب ، فجاء زيد رضي الله عنه حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله بلغني أنك جئت منزلي فهلا دخلت يا رسول الله ، لعل زينب أعجبتك فأفارقها فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمسك عليك زوجك } فما استطاع زيد إليها سبيلاً بعد ذلك اليوم ، فيأتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره ، فيقول : { أمسك عليك زوجك } ففارقها زيد واعتزلها ، وانقضت عدتها ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس يتحدث مع عائشة رضي الله عنها إذ أخذته غشية ، فسرى عنه وهو يتبسم ويقول : من يذهب إلى زينب ، فيبشرها أن الله زوجنيها من السماء ، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك } القصة كلها قالت عائشة رضي الله عنها : فأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها . وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها زوجها الله من السماء وقلت : هي تفخر علينا بهذه » .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : لو كان النبي صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه } يعني بالإِسلام { وأنعمت عليه } بالعتق { أمسك عليك زوجك } إلى قوله { وكان أمر الله مفعولاً } وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوّجها قالوا : تزوج حليلة ابنه . فأنزل الله تعالى { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبناه وهو صغير ، فلبث حتى صار رجلاً يقال له : زيد بن محمد . فأنزل الله { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } يعني أعدل عند الله .

وأخرج الحاكم عن الشعبي رضي الله عنه قال : كانت زينب رضي الله عنها تقول للنبي صلى الله عليه وسلم : أنا أعظم نسائك عليك حقاً ، أنا خيرهن منكحاً ، وأكرمهن ستراً ، وأقربهن رحماً ، وزوّجنيك الرحمن من فوق عرشه ، وكان جبريل عليه السلام هو السفير بذلك ، وأنا بنت عمتك ، ليس لك من نسائك قريبة غيري .

وأخرج ابن جرير عن الشعبي رضي الله عنه قال : كانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه وسلم : إني لأدل عليك بثلاث ، ما من نسائك امرأة تدل بهن . إن جدي وجدك واحد . وإني أنكحنيك الله من السماء . وان السفير لجبريل عليه السلام .

وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن أم سلمة رضي الله عنها عن زينب رضي الله عنها قالت : إني والله ما أنا كأحد من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنهن زوّجن بالمهور ، وزوّجهن الأولياء ، وزوّجني الله ورسوله ، وأنزل في الكتاب يقرأه المسلمون ، لا يغير ولا يبدل { وإذ تقول للذين أنعم الله عليه . . . . } . .

وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت : يرحم الله زينب بنت جحش ، لقد نالت في هذه الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شريف . أن الله زوجها نبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا ، ونطق به القرآن .

وأخرج ابن سعد عن عاصم الأحول أن رجلاً من بني أسد فاخر رجلاً فقال الأسدي : هل منكم امرأة زوجها الله من فوق سبع سموات ؟ يعني زينب بنت جحش .

37