جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولٗا} (37)

{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ } : بالإسلام ، { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } : بالعتق وهو زيد اشتراه في الجاهلية وأعتقه وتبناه ، { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } زينب حين قال : أريد أن أطلقها ، { وَاتَّقِ اللَّهَ } فيها ولا تطلقها ، { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ } أي : شيئا الله مظهره ، وهو علمه بأن زيدا سيطلقها وهو ينكحها ، فإن الله قد أعلمه بذلك أو ميل قلبه إليها وإلى طلاقها ، فإن نفسه الأقدس مالت إليها بعد أن تزوجها زيد{[4090]}* ، { وَتَخْشَى النَّاسَ } : تكره قالتهم وتعييرهم ، { وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } فلا تأمر بما تعلم يقينا أنه لا يتم ، أو فلا تظهر بلسانك ما تحب بقلبك غيره ، فإن الأنبياء عليهم السلام مأمورون بتساوي الظاهر والباطن ، { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا } : حاجة ، { زَوَّجْنَاكَهَا } بعد طلاقها وانقضاء عدتها بلا ولي من بشر ولا شاهد ولا مهر ، ولهذا تقول افتخارا : زوجني الله{[4091]} من فوق سبع سماوات والسفر جبريل ، { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ } بالنبوة ، { إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا } أي : دخلوا عليهن ، قيل قضاء الوطر : كناية عن الطلاق يعني لئلا يظن أن حكم الأدعياء حكم الأبناء ، فإنه جاز أن يتزوج موطوءة دعيه ، { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ } : قضاءه ، { مَفْعُولًا } : مكونا لا محالة ،


[4090]:هذا التأويل يحمل على سوء الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم - وحاشاه من ذلك لمكان العصمة، وقد أورده الحافظ في (الفتح) (8/384) أثرا اعتمده في تأويل هذه الآية أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي أن النبي صلى الله عليه وسلم- لما زوج زيدا زينب أعلمه الله تعالى بعد أنها من أزواجه فكان يستحيي أن يأمر بطلاقها، وكان لا يزال يكون بين زيد وزينب ما يكون بين الناس، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم- أن يمسك عليه زوجه وأن يتقي الله، وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا: تزوج امرأة ابنه، وكان قد تبنى زيدا، ثم قال الحافظ: ووردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري ونقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها، والذي أوردته منها هو المعتمد. والحاصل أن الذي كان يخفيه النبي صلى الله عليه وسلم – هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس تزوج امرأة ابنه، وأراد الله إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني، بأمر لا أبلغ منه وهو تزوج امرأة الذي يدعي ابنا، ووقوع ذلك من إمام المسلمين ليكون أدعى لقبولهم، وإنما وقع الخبط في تأويل متعلق الخشية. والله أعلم.
[4091]:كما رواه البخاري وأحمد والترمذي وغيرهم /12 فتح.