إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولٗا} (37)

{ وَإِذْ تَقُولُ } أي واذكُر وقتَ قولِك { لِلَّذِي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ } بتوفيقِه للإسلامِ وتوفيقِك لحسنِ تربيتِه ومراعاتِه { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } بالعملِ بما وفَّقك الله له من فنونِ الإحسانِ التي من جُملتها تحريرُه وهو زيد بنُ حارثةَ وإيرادُه بالعنوانِ المذكورِ لبيانِ منافاةِ حالِه لما صدرَ عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من إظهارِ خلافِ ما في ضميرِه إذ هُو إنَّما يقعُ عند الاستحياءِ أو الاحتشامِ وكلاهما ممَّا لا يُتصور في حقِّ زيدٍ { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } أي زينبَ ( وذلك أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أبصرَها بعد ما أنكحَها إيَّاه فوقعتْ في نفسِه . حالةٌ جبلِّيةٌ لا يكادُ يسلمُ منها البشرُ فقالَ : «سبحانَ الله مقلبِ القلوبِ » وسمعتْ زينبُ بالتَّسبيحةِ فذكرتْها لزيدٍ ففطِن لذلكَ ، ووقعَ في نفسِه كراهةُ صُحبتِها فأتَى النبيَّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وقال : أريدُ أنْ أفارقَ صاحبتِي ، فقالَ : «ما لَك أرابَك منها شيءٌ ؟ » قال : لا والله ما رأيتُ منها إلا خيراً ولكنَّها لشرفِها تتعظمُ عليَّ ، فقال له : «أمسكْ عليكَ زوجَك{[666]} » { واتق الله } في أمرِها فلا تُطلقها إضراراً وتعللاً بتكبّرها { وَتُخْفِى فِي نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ } وهو نكاحُها إنْ طلَّقها أو إرادةُ طلاقِها { وَتَخْشَى الناس } تعييرَهم إيَّاك به { والله أَحَقُّ أَن تخشاه } إنْ كانَ فيه ما يُخشى والواوُ للحالِ ، وليستْ المعاتبةُ على الإخفاءِ وحدَه بل على الإخفاءِ مخافةَ قالةِ النَّاسِ وإظهارِ ما يُنافي إضمارَه فإنَّ الأَولى في أمثالِ ذلك أنْ يصمتَ أو يُفوِّضَ الأمرَ إلى ربِّه { فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً } بحيثُ لم يبقَ له فيها حاجةٌ وطلَّقها وانقضتِ عدَّتُها وقيل : قضاءُ الوَطَرِ كنايةٌ عن الطَّلاقِ مثلُ لا حاجةَ لي فيكِ { زوجناكها } وقرئ زوَّجتكها والمرادُ الأمرُ بتزويجِها منه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وقيل : جعَلَها زوجتَه بلا واسطةِ عقدٍ ، ويُؤيده أنَّها كانتْ تقولُ لسائرِ نساءِ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ :

«إنَّ الله تعالى تولَّى نكاحي وأنتنَّ زوجكنَّ أولياؤكنَّ » . وقيل : كان زيدٌ السَّفيرَ في خطبتِها وذلك ابتلاءٌ عظيمٌ وشاهدُ عدلٍ بقوَّةِ إيمانِه { لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ } ضيقٌ ومشقَّةٌ { فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ } أي في حقِّ تزوجهن { إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً } فإنَّ لهم في رسولِ الله أسوةً حسنةً وفيه دلالةٌ على أنَّ حكمَه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وحكمَ الأمَّة سواءٌ إلا ما خصَّه الدَّليلُ { وَكَانَ أَمْرُ الله } أي ما يريدُ تكوينَه من الأمورِ أو مأمورُه الحاصلُ بكُنْ { مَفْعُولاً } مكوناً لا محالةَ اعتراضٌ تذييليٌّ مقررٌ لما قبلَه .


[666]:أخرجه أحمد في المسند (3/150).