تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولٗا} (37)

الآية 37 وقوله تعالى : { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه } قال أهل التأويل : { أنعم الله عليه } بالإسلام { وأنعمت عليه } بالإعتاق حين( {[16663]} ) أعتقه ، لأنه ذكر أن زيدا كان عربيا من أهل الكتاب ، أصابه النبي من سبي أهل الجاهلية ، فأعتقه ، وتبناه ، فأنعم الله عليه حين( {[16664]} ) أعطاه الإسلام ، ووفقه للهدى ، وأنعم عليه الرسول حين( {[16665]} ) اعتقه .

ويحتمل إنعام الله عليه أيضا في الإعتاق حين( {[16666]} ) وفق رسوله للعتاق أو في خلق فعل الإعتاق من رسوله وإجرائه [ على لسانه .

والآية حجة على قول ]( {[16667]} ) المعتزلة : ليس لله على زيد ولا على جميع المسلمين في الإسلام إنعام /428-ب/ ولا إفضال لوجوه :

أحدها : أنهم يقولون : قد أعطى كلا سبب ما يلزمهم الإسلام ، فهو القوة ؛ فهم إنما يسلمون لا بصنع من الله في ذلك . فعلى قولهم : كان من الله سبب لزوم الإسلام ، فأما في الإسلام ، فلا صنع له فيه . فإذا كان كذلك فلا منة ، تكون منه عليهم ، ولا إنعام( {[16668]} ) .

والثاني : يقولون : إنه ليس لله أن يفعل بالخلق إلا ما هو أصلح لهم في الدين . ولا شك أن الإسلام ، لهم أصلح . فعليه إن يفعل ذلك بهم ؛ فهو فعل ما عليه أن يفعل ، ولا يجوز أن يفعل غيره . ومن أدى حقا عليه ، لا يكون في فعله منعما ولا مفضلا ، إنما هو مؤدي حق عليه .

والثالث : يقولون : إنه ليس من الله على الأنبياء والمؤمنين جميعا شيء إلا وقد كان ذلك منه إلى إبليس وأتباعه وإلى جميع الفراعنة . فإذا كان قولهم ومذهبهم ما ذكرنا لم يكن لله على أحد من أهل الإسلام في إسلامهم إنعام ، ولا إفضال . والله أخبر أن له عليهم في ذلك نعمة ومنة . وكذلك فهم منه ذلك في قوله : { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان } [ الحجرات : 17 ] .

وقوله تعالى : { أمسك عليك زوجك واتق الله } ذكر بعض أهل التأويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبصر امرأة زيد ، فأعجبته ، وودها ، ففهم زيد ذلك منه ، فقال : يا رسول الله إني أريد أن أطلق فلانة ، فإن فيها كبرا ، تتعاظم علي ، وتؤذيني بكذا . فعند ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم { أمسك عليك زوجك واتق الله } في طلاقها ، ولا تطلقها .

لكن لا نقول نحن شيئا من ذلك إلا بخبر ، ثبت عن رسول الله ، يخبر أنه كان ذلك .

وجائز أن يكون زيد ، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلاقها على ما يطلق الرجل امرأته لما يمل منها بلا سبب ، يكون . فقال له عند ذلك : { أمسك عليك زوجك واتق الله } ولا تطلق زوجك بلا سبب ، يستوجب به الطلاق ، لأنه لا يسع للرجل أن يطلق زوجته بلا سبب ، يحمله على الطلاق من تضييع حدود الله وترك إقامتها أو معنى نحوه . فأما بلا سبب يكون في ذلك ، فلا يسع .

أو أن يكون قوله : { أمسك عليك زوجك واتق الله } أي [ أمسك عليك ]( {[16669]} ) تزوجها { واتق الله } في ترك تزوجها ، فيكون هو مأمورا بنكاحها كما كانت هي مأمورة بتزويجها نفسها منه . فيقول : { اتق الله } في ترك الأمر للنبي : ذلك في ترك ما ندبت إليه ، وأمرت به ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وتخفي في نفسك ما الله مبديه } قال عامة أهل التأويل : بل تخفي في نفسك حبها [ و إعجابك بها ]( {[16670]} ) { ما الله مبديه } أي ما الله مظهره في القرآن أي حبها وتزوجها .

وقال قائلون : { وتخفي في نفسك } يا محمد : ليته( {[16671]} ) يطلقها { ما الله مبديه } أي مظهره عليك متى ينزل به قرآنا . لكن هذا بعيد محال ، لا يحتمل أن يكون النبي ، يقول لزيد : { امسك عليك زوجك واتق الله } ثم يخفي في نفسه : ليته( {[16672]} ) يطلقها حتى يتزوجها هو .

وجائز أن يكون قوله : { وتخفي في نفسك } هذا القول نفسه ، هو الإبداء حين جعله آية تتلى بعد ما أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا في نفسه ما لولا ذكر الله إياه ذلك لم يعلم الخلق أنه أخفى شيئا . ولا ندري ما الذي أخفاه ؟ [ ولا نقول : إن الذي أخفى ]( {[16673]} ) كذا وكذا وكذا إلا بخبر ، يجيء عنه ، فيقول : إني أخفيت في نفسي كذا . فعند ذلك يسع . فأما على الوهم فلا نقول به .

وقوله تعالى : { وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } قال بعضهم : { وتخشى الناس } أي تستحيي [ مما يقول ]( {[16674]} ) الناس : إنه( {[16675]} ) تزوج امرأة ابنه ، وتترك نكاحها ، والله أحق أن تستحيي منه في ترك أمره إياك بالنكاح .

وقال بعضهم : { وتخشى الناس } أي تتقي قالة الناس ؛ تستحيي منهم في أمر زينب وما أعجبت [ به من ]( {[16676]} ) حسنها وحبها { والله أحق أن تخشاه } [ في( {[16677]} ) ذلك .

وجائز أن يكون قوله : { وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } ]( {[16678]} ) على الابتداء على غير إلحاق بالأول في كل أمر وكل شيء كقوله : { فلا تخشوهم واخشوني } [ البقرة : 150 ] .

وقوله تعالى : { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } قال أهل التأويل : { قضى زيد منها وطرا } أي حاجة أي جماعا .

فإن كان الجماع ، ففائدة ذكر الجماع فيه ليعلم أن حليلة ابن المتبنى تحل للرجل وأن الوطر هو عقد النكاح والجماع جميعا ، وإن كان كل واحد منهما سبب الحظر أو المنع في نكاح حليلة ابن الصلب .

وجائز أن يكون قوله : { فلما قضى زيد منها وطرا } أي قضى همة نفسه ، وبلغ غاية ما همت نفسه منها . فعند ذلك زوجناكها .

ذكر أن زينب بنت جحش كانت تفخر على سائر أزواج النبي ، فتقول : زوجكن آباؤكن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله زوجني نبيه [ من ]( {[16679]} ) فوق سبع سماوات .

ففيه دلالة رسالته لأنه أخفى في نفسه ما كان يخشى قالة الناس في ذلك ، واستحيى منهم . وفي العرف أن من أخفى شيئا ، يستحيي من الناس ، إن ظهر عندهم ، أن يكتم ذلك عن الناس ، ولا يظهره .

فإذا كان رسول الله ، أظهر ما كان يخشى قالة الناس فيه ، ولم يكتمه منهم ، دل أنه رسول الله ، إذ لو كان غير رسوله لكتمه ، وأخفاه ، ولم يظهره ، لما ذكرنا من العرف في الناس من كتمان ما يستحيون منهم إذا ظهر .

وكذلك روي عن عمر وعائشة أنهما قالا : لو كان رسول الله كاتما شيئا مكن القرآن لكتم هذه الآية .

وقوله تعالى : { لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا } في الآية دلالة لزوم الإتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يخبر ، ويأمر به ، وفي كل فعل يفعله في نفسه إلا في ما ظهرت الخصوصية .

فأما في ما لم تظهر فعلى الناس إتباعه في ما يخبر ، ويفعل ، لأنه قال : تزوج امرأة دعيه ، ثم قال : { لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم } ولو كان يخبرهم بذلك خبرا لحل لهم ذلك .

فعلى ذلك إذ فعل هو ذلك ، وأخبر( {[16680]} ) أن ذلك : { لكي لا يكون على المؤمنين حرج } في مثل فعله ، والله أعلم .

[ وفي قوله : { إذا قضوا منهن وطرا } وجه آخر ]( {[16681]} ) : ذكر قضاء الوطر منهن لأن من النساء من لا يحرمن على بعض هؤلاء بالعقد ، ولكن إنما يحرمن بقضاء الوطر . ومنهن من يحرمن بالعقد نفسه دون قضاء الوطر .

فأخبر أن أزواج الأدعياء ، وإن قضوا منهن الوطر ، فإنهن لا يحرمن عليهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وكان أمر الله مفعولا } أي ما كان بأمر الله مفعولا . وكذلك ما قيل : الصلاة أمر الله ، أي بأمر الله تكون [ وإن كانت ]( {[16682]} ) الصلاة هي فعل العباد ، فلا تكون أمر الله ، ولكن بأمر الله .

فعلى ذلك قوله : { وكان أمر الله مفعولا } أي ما يكون بأمر الله مفعولا . وكذا قوله : { حتى جاء أمر الله } [ الحديد : 14 ] أي جاء ما يكون بأمر الله ، وهو العذاب الذي أوعدوا ، لان أمر الله لا يجيء .

ثم يحتمل على وجهين :

أحدهما : التكوين بكونه ، فيكون مكونا كقوله : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } [ النحل : 40 ] .

والثاني : على الإيجاب واللزوم أي ما يكون بأمر الله يكون واجبا لازما إذا أراد به الإيجاب والإلزام ، والله أعلم .


[16663]:في الأصل وم: حيث.
[16664]:في الأصل وم: حيث.
[16665]:في الأصل وم: حيث.
[16666]:في الأصل وم: حيث.
[16667]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل: إليه وعلى آل، في م: إليه وعلى قول.
[16668]:في الأصل وم: أنعامهم.
[16669]:ساقطة من الأصل وم.
[16670]:في الأصل وم: وإعجابها.
[16671]:في الأصل وم: ليت أنه.
[16672]:في الأصل وم: ليت أنه.
[16673]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[16674]:في الأصل وم: قال.
[16675]:في الأصل وم: أن.
[16676]:في الأصل وم: هي إليك.
[16677]:ساقطة من الأصل.
[16678]:ساقطة من م.
[16679]:ساقطة من الأصل وم.
[16680]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[16681]:في الأصل وم: وفيه وجه أخر وقوله: {إذا قضوا منهن وطرا}.
[16682]:في الأصل وم: وإلا.