تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُۥۚ وَيَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (186)

ثم قال تعالى : { مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

يقول تعالى : من كُتِب عليه الضلالة فإنه لا يهديه أحد ، ولو نظر لنفسه فيما نظر ، فإنه لا يجزي{[12444]} عنه شيئا ، { وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا } [ المائدة : 41 ] قال تعالى : { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 101 ]


[12444]:في م، ك: "لا يجدى".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُۥۚ وَيَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (186)

هذه الجملة تعليل للإنكار في قوله : { فبأي حديث بعده يؤمنون } [ الأعراف : 185 ] ، لإفادة أن ضلالهم أمر قدر الله دوامَه ، فلا طمع لأحد في هديهم ، ولما كان هذا الحكم حاقاً على من اتصف بالتكذيب ، وعدم التفكر في حال الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم النظر في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله ، وفي توقع اقتراب استيصالهم ، كان المحكوم عليهم بعدم الاهتداء فريقاً غير معروف للناس ، وإنما ينفرد الله بعلمه ويُطْلع عليه رسوله عليه الصلاة والسلام ، وينكشف بعض ذلك عند موت بعضهم على الشرك ، وهذه هي المسألة الملقبة بالموافاة عند علماء الكلام .

وعطف جملة : { ونذَرهم في طغيانهم يعمهون } على جملة : { من يضلل الله فلا هادي له } للإشارة إلى استمرار ضلالهم وانتفاء هديهم في المستقبل كما وقع في الماضي .

وتفسير : { نذرهم } تقدم في قوله تعالى : { وذَر الذين اتخذوا دينهم لعباً } في سورة الأنعام ( 70 ) وتفسير « طغيان » و { يعمهون } تقدم عند قوله : { في طغيانهم يعمهون } في سورة البقرة ( 15 ) .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وابن عامر : { نَذرهم } بالنون وبالرفع ، على أنه عطف جملة على جملة : { من يضلل الله } على طريقة الالتفات من الغيبة إلى التكلم .

وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف : بالياء التحتية والجزم ، على أنه عطف على موضع { فلا هادي له } وهو جواب الشرط .

وقرأ أبو عَمرو ، وعاصم ، ويعقوب : بالياء التحتية وبالرفع والوجه ظاهر .