الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{مَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُۥۚ وَيَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (186)

قوله : " ويَذَرهم " قرأ الأخَوان بالياء وجزم الفعل ، وعاصم وأبو عمرو بالياء أيضاً ورفع الفعل ، ونافع وابن كثير وابن عامر بالنون ورفع الفعل أيضاً .

وقد رُوي الجزمُ أيضاً عن نافع وأبي عمرو في الشواذ . فالرفعُ من وجهٍ واحدٍ وهو الاستئناف أي : وهو يَذَرُهم ، أو : ونحن نذرهم على حسب القراءتين . / وأمَّا السُّكون فيحتمل وجهين أحدهما : أنه جزم نسَقاً على محلِّ قوله " فلا هادي له " لأن الجملَة المنفيَّة جوابٌ للشرط فهي في محلِّ جزمٍ فَعَطَف على مَحَلِّها وهو كقوله تعالى : { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ } [ البقرة : 271 ] بجزم " يكفر " ، وكقول الشاعر :

أنَّى سلكتَ فإنني لك كاشحٌ *** وعلى انتقاصِك في الحياة وأزْدَدِ

وأنشد الواحدي أيضاً قول الآخر :

فَأَبْلوني بَلِيَّتَكمْ لعلِّي *** أُصالِحُكم وأسْتدرِجْ نَوَيَّا

قال : " حمل " أستدرج " على موضع الفاء المحذوفة من قوله " فلعلي أصالحكم " . والثاني : أنه سكونُ تخفيف كقراءة أبي عمرو : { يَنصُرْكُمُ } [ آل عمران : 160 ] و { يُشْعِرُكُمْ } [ الأنعام : 109 ] ونحوه . وأما الغيبة فَجَرْياً على اسم الله تعالى ، والتكلم على الالتفات من الغيبة إلى التكلم تعظيماً .