اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُۥۚ وَيَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (186)

قوله تعالى : { مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ } الآية .

لمَّا ذكر إعراضهُم عن الإيمان ، بيَّن ههنا علَّة إعراضهم .

فقال : { مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ } وهذه الآيةُ تدلُ على أنَّ الهُدى والضلال من الله تعالى كما سبق في الآيةِ المُتقدمة وتأويلات المعتزلة والأجوبة عنها .

قوله : " ويَذَرْهُمْ " قرأ الأخوان بالياء{[17047]} وجزم الفعل ، وعاصم وأبو عمرو بالياء أيضاً ، ورفع الفعل ، ونافع وابن كثير وابن عامر بالنُّون ورفع الفعل أيضاً ، وقد رُوي الجزمُ أيضاً عن نافع ، وأبي{[17048]} عمرو في الشواذ .

فالرفعُ من وجهٍ واحدٍ ، وهو الاستئناف ، أي : وهو يذرهم ، ونحن نذرهم ، على حسب القراءتين ، وأمَّا السُّكونُ فيحتمل وجهين :

أحدهما : أنه جزم نسقاً على محلِّ قوله : { فَلاَ هَادِيَ لَهُ } ؛ لأنَّ الجملةَ المنفيَّة جوابٌ للشرط فهي في محلِّ جزم فعطف على محلِّها وهو كقوله تعالى : { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقراء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ } [ البقرة : 271 ] بجزم " يُكَفّر " ؛ وكقول الشاعر : [ الكامل ]

أنَّى سَلَكْتَ فإنَّنِي لَكَ كَاشِحٌ *** وعَلى انتقِاصِكَ في الحياةِ وأزْدَدِ{[17049]}

وأنشد الواحديُّ أيضاً قول الآخر : [ الوافر ]

فأبْلُونِي بَلِيَّتَكُمْ لَعَلِّي *** أصَالِحُكُمْ وأستدرج نَوَيَّا{[17050]}

قال : حمل " أسْتَدرِجْ " على موضع الفاء المحذوفة ، من قوله : لَعَلِّي أصَالِحُكُمْ .

والثاني : أنه سكونُ تخفيف ، كقراءة أبي عمرو { يَنصُرْكُمُ } [ آل عمران : 160 ] و { يُشْعِرْكُمْ } [ الأنعام : 109 ] ونحوه ، وأمَّا الغيبة فجرياً على اسم الله تعالى ، والتَّكلم على الالتفات من الغيبة إلى التَّكلم تعظيماً ويَعْمَهُونَ مترددون متحيرون .


[17047]:ينظر: السبعة 299، والحجة 4/109، وإعراب القراءات 1/216، وحجة القراءات 303، وإتحاف 2/70.
[17048]:ينظر: البحر المحيط 4/431، والدر المصون 3/378.
[17049]:ينظر التهذيب 15/654، المحرر الوجيز 2/219، البحر 4/431، الدر المصون 3/379.
[17050]:البيت لأبي دؤاد الإيادي: ينظر ديوانه 350، تأويل المشكل 56 معاني الفراء 1/88، الخصائص 1/176، المغني 2/423، شرح شواهد المغني 2/839، اللسان: (علل)، الدر المصون 3/379.