تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُۥۚ وَيَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (186)

الآية 186 وقوله تعالى : { من يضلل الله فلا هادي له } وفي موضع آخر{ ومن يهد الله فما له من مضل } [ الزمر : 37 ] ولو كانت الهداية الأمر والبيان على ما قاله قوم لكان ذلك من غيره{[9196]} وكذلك لو كان الإضلال والإزاغة والنهي هو التخلية لكان ذلك يكون من غيره ، وكل من أراد الله أن يهديه أضله غيره ، وكل من أضله الله هداه غيره . فذلك محال مع ما في كلما أضاف الله الإضلال إلى الخلق ذمّه ، وفي ما أضاف الهداية إليه مدحه . ثم أضافهما جميعا إلى نفسه .

دل أن هنالك زيادة معنى ليس ذلك في الإضافة إلى{[9197]} الخلق ، وهو ما ذكر في غير موضع : إما خلق فعل الضلال من الكافر وإما{[9198]} خلق فعل الاهتداء والإيمان من المؤمن ، وكان منه التوفيق والمعونة في الهدى والخذلان في الكفر .

وهذان الوجهان اللذان ذكرناهما لا يكونان من الخلق ، إنما يكونان من الله . لذلك كان معنى الإضافة إليه .

وإنما يكونان من الخلق الدعاء وغيره ، لا ما قالته المعتزلة من البيان والأمر والنهي والتخلية ، إذ يكون ذلك من الخلق . وبالله العصمة .

وقوله تعالى : { من يضلل الله فلا هادي له } أي من أهانه الله بالضلالة فلا أحد يملك إكرامه بالهدى .

وقوله تعالى : { ويذرهم في طغيانهم يعمهون } ولا ضرر يلحقه في طغيانهم . لذلك تركهم فيه . ودل ذلك على أنه لم ينشئهم لحاجة نفسه ولا لدفع ضرر نفسه ، ولكن لحاجة أنفسهم كقوله تعالى : { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } [ الأعراف : 182 ] وكقوله تعالى : { إن كيدي متين } [ الأعراف : 183 ] وهو حرف الوعيد .


[9196]:في الأصل وم: غير.
[9197]:من م، في الأصل: التي.
[9198]:في الأصل وم: و.