تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (120)

قال ابن جرير : يعني بقوله{[2625]} جل ثناؤه : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } وليست اليهود - يا محمد - ولا النصارى براضية عنك أبدًا ، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم ، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق .

وقوله تعالى : { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى } أي : قل يا محمد : إن هدى الله الذي بعثني به هو الهدى ، يعني : هو الدين المستقيم الصحيح الكامل الشامل .

قال قتادة في قوله : { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى } قال : خصومة عَلَّمها الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، يخاصمون بها أهل الضلالة . قال قتادة : وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " لا تزال طائفة من أمتي يقتتلون على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من خالفهم ، حتى يأتي أمر الله " .

قلت : هذا الحديث مُخَرَّج في الصحيح{[2626]} عن عبد الله بن عمرو{[2627]} .

{ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ } فيه تهديد ووعيد شديد للأمة عن اتباع طرائق اليهود والنصارى ، بعد ما عَلِموا من القرآن والسنة ، عياذًا بالله من ذلك ، فإن الخطاب مع الرسول ، والأمر لأمته .

[ وقد استدل كثير من الفقهاء بقوله : { حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } حيث أفرد الملة على أن الكفر كله ملة واحدة كقوله تعالى : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }

[ الكافرون : 6 ] ، فعلى هذا لا يتوارث المسلمون والكفار ، وكل منهم يرث قرينه سواء كان من أهل دينه أم لا ؛ لأنهم كلهم ملة واحدة ، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد في رواية عنه . وقال في الرواية الأخرى كقول مالك : إنه لا يتوارث أهل ملتين شتى ، كما جاء في الحديث ، والله أعلم ]{[2628]} .


[2625]:في ط: "في قوله".
[2626]:في ط: "في الصحيحين".
[2627]:صحيح مسلم برقم (1924).
[2628]:زيادة من ط، أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (120)

{ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }( 120 )

ويقال : رضي يرضى رضىً ورضاً ورضواناً ، وحكي رضاءً ممدوداً ، وقال : { ملتهم } وهما مختلفتان بمعنى لن ترضى اليهود حتى تتبع ملتهم ولن ترضى النصارى حتى تتبع ملتهم ، فجمعهم( {[1199]} ) إيجازاً ، لأن ذلك مفهوم ، والملة الطريقة ، وقد اختصت اللفظة بالشرائع والدين ، وطريق ممل أي قد أثر المشي فيه . ( {[1200]} )

وروي أن سبب هذه الآية أن اليهود والنصارى طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدنة ، ووعدوه أن يتبعوه بعد مدة خداعاً منهم ، فأعلمه الله تعالى أن إعطاء الهدنة لا ينفع عندهم ، وأطلعه على سر خداعهم .

وقوله تعالى : { قل إن هدى الله هو الهدى } أي ما أنت عليه يا محمد من هدى الله الذي يضعه في قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي ، لا ما يدعيه هؤلاء .

ثم قال تعالى لنبيه { ولئن اتبعت أهواءهم } الآية ، فهذا شرط( {[1201]} ) خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم وأمته معه داخلة فيه( {[1202]} ) ، و «أهواء » جمع هوى ، ولما كانت مختلفة جمعت ، ولو حمل على إفراد الملة لقيل هواهم ، والولي الذي يتولى الإصلاح والحياطة والنصر والمعونة ، و { نصير } بناء مبالغة في اسم الفاعل من نصر .


[1199]:- استدل بعضهم على أن الكفر ملة واحدة بإفراد الملة هنا، وبقوله تعالى: [لكم دينكم ولي دين].
[1200]:- طريق ممل أي مسلوك ومطروق بكثرة المشيء فيه. والملة اسم من أمليت الكتاب ثم نقلت إلى الدين والشريعة باعتبار أنها يمليها النبي على الناس فيتناولونها، ومن الناس من يفرق بين الملة والدين فيقول: الملة ما دعا الله العباد إليه، والدين ما فعله العباد عن أمره.
[1201]:- واللام مشعرة بقسم محذوف، والكلام مبني على القسم لاعلى الشرط، ولو بني على الشرط لدخلت الفاء في قوله تعالى: (مالك من الله من ولي ولا نصير).
[1202]:- الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، لأن النبي عليه السلام معصوم من اتباع الأهواء، فالكلام من باب التغليظ والتشديد في اتباع أهل البدع والأهواء، وترك ما جاء به الكتاب والسنة من العلم، وقد نبه ابن عطية رحمه الله على هذا المعنى عند قوله تعالى: (ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين)، وكان عليه أن ينبه على ذلك هنا إذ هذه أول آية توهم ما لا يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم.