تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

قال سعيد بن جبير : هو الرجل تكون{[17416]} منه البادرة إلى أبويه ، وفي نيته وقلبه أنه لا يؤخذ به - وفي رواية : لا يريد إلا الخير بذلك - فقال : { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ }

وقوله [ تعالى ]{[17417]} : { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال قتادة : للمطيعين أهل الصلاة .

وعن ابن عباس : المسبحين . وفي رواية عنه : المطيعين المحسنين .

وقال بعضهم : هم الذين يصلون بين العشاءين . وقال بعضهم : هم الذين يصلون الضحى{[17418]} .

وقال شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب في قوله : { [ فَإِنَّهُ ]{[17419]} كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال : الذي يصيب الذنب ثم يتوب ، ويصيب الذنب ثم يتوب .

وكذا رواه عبد الرزاق ، عن الثوري ومعمر ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب نحوه ، وكذا رواه الليث وابن جريج ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن ]{[17420]} المسيب ، به وكذا قال عطاء بن يسار .

وقال مجاهد ، وسعيد بن جبير : هم الراجعون إلى الخير .

وقال مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله : { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال : هو الذي إذا ذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله منها . ووافقه على ذلك مجاهد{[17421]} .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن عبيد بن عمير ، في قوله : { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال : كنا نعد الأواب الحفيظ ، أن يقول : اللهم اغفر لي ما أصبت{[17422]} في مجلسي هذا{[17423]} .

وقال ابن جرير : والأولى في ذلك قول من قال : هو التائب من الذنب ، الراجع عن المعصية إلى الطاعة ، مما يكره الله إلى ما يحبه ويرضاه{[17424]} .

وهذا الذي قاله هو الصواب ؛ لأن الأواب مشتق من الأوب وهو الرجوع ، يقال : آب فلان إذا رجع ، قال الله تعالى : { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ } [ الغاشية : 25 ] ، وفي الحديث الصحيح ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع من سفر قال{[17425]} : آيبون تائبون عابدون ، لربنا حامدون " {[17426]} .


[17416]:في ت، ف: "يكون".
[17417]:زيادة من ت.
[17418]:في ت: "الصبح".
[17419]:في ت، ف: "إنه" وهو خطأ.
[17420]:زيادة من ف.
[17421]:في ف: "ووافقه مجاهد في ذلك".
[17422]:في ت: "ما أحببت".
[17423]:تفسير عبد الرزاق (1/320).
[17424]:تفسير الطبري (15/52).
[17425]:في ف، أ: "يقول".
[17426]:رواه البخاري في صحيحه برقم (1797) من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

{ ربكم أعلم بما في نفوسكم } من قصد البر أليهما واعتقاد ما يجب لهما من التوقير ، وكأنه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالا . { إن تكونوا صالحين } قاصدين للصلاح . { فإنه كان للأوّابين } للتوابين . { غفورا } ما فطر منهم عند حرج الصدر من أذية أو تقصير ، وفيه تشديد عظيم ، ويجوز أن يكون عاما لكل تائب ، ويندرج فيه الجاني على أبويه التائب من جنايته لوروده على أثره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

وقوله { ربكم أعلم بما في نفوسكم } أي من اعتقاد الرحمة بهما والحنو عليهما أو من غير ذلك ، ويجعلون ظاهر برهما رياء ، ثم وعد في آخر الآية بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة إلى طاعة الله ، واختلفت عبارة الناس في { الأوابين } ، فقالت فرقة هم المصلحون ، وقال ابن عباس : هم المسبحون ، وقال أيضاً : هم المطيعون المحسنون ، وقال ابن المنكدر{[7530]} : هم الذين يصلون العشاء والمغرب ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في ذلك الوقت فقال : «تلك صلاة الأوابين »{[7531]} ، وقيل غير هذا من المستغفرين ونحوه ، وقال عون العقيلي{[7532]} : هم الذين يصلون صلاة الضحى ، وحقيقة اللفظة أنه من آب يؤوب إذا رجع ، وهؤلاء كلهم لهم رجوع أبداً إلى طاعة الله تعالى ، ولكنها لفظة لزم عرفها أهل الصلاح ، قال ابن المسيب هو العبد يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ، وفسر الجمهور { الأوابين } بالرجاعين إلى الخير ، وقال ابن جبير : أراد بقوله غفوراً للأوابين الزلة والفلتة تكون من الرجل إلى أحد أبويه ، وهو لم يصر عليها بقلبه ولا علمها الله من نفسه ، وقالت فرقة «خفض الجناح » هو ألا يمتنع من شيء يريدانه .


[7530]:هو محمد بن عبد الله بن الهدير – بالتصغير- التيمي، المدني، ثقة حافظ، مات سنة ثلاثين أو بعدها. (تقريب التهذيب).
[7531]:الحديث أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره، عن ابن المنكدر، وقال عنه: إنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن في صحيح مسلم، وفي مسند أحمد عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، قال النووي في شرح صحيح مسلم: "هو بفتح التاء والميم، يقال: رمض يرمض كعلم يعلم، والرمضاء: الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس، والمعنى: حين تحترق أخفاف الفصال، وهي الصغار من أولاد الإبل، جمع فصيل".
[7532]:هو عون بن أبي شداد العقيلي، وقيل: العبدي، أبو معمر البصري، مقبول، من الخامسة. (تقريب التهذيب).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

تذييل لآية الأمر بالإحسان بالوالدين وما فصل به ، وما يقتضيه الأمر من اختلاف أحوال المأمورين بهذا الأمر قبل وروده بين موافق لمقتضاه ومفرط فيه ، ومن اختلاف أحوالهم بعد وروده من محافظ على الامتثال ، ومقصر عن قصد أو عن بادرة غفلة .

ولما كان ما ذكر في تضاعيف ذلك وما يقتضيه يعتمد خلوص النية ليجري العمل على ذلك الخلوص كاملاً لا تكلف فيه ولا تكاسل ، فلذلك ذيله بأنه المطلع على النفوس والنوايا ، فوعد الولد بالمغفرة له إن هو أدى ما أمره الله به لوالديه وافياً كاملاً . وهو مما يشمله الصلاح في قوله : { إن تكونوا صالحين } أي ممتثلين لما أمرتم به . وغير أسلوب الضمير فعاد إلى ضمير جمع المخاطبين لأن هذا يشترك فيه الناس كلهم فضمير الجمع أنسب به .

ولما شمل الصلاح الصلاح الكامل والصلاح المشوب بالتقصير ذيله بوصف الأوابين المفيد بعمومه معنى الرجوع إلى الله ، أي الرجوع إلى أمره وما يرضيه ، ففهم من الكلام معنى احتباك بطريق المقابلة . والتقدير إن تكونوا صالحين أوابين إلى الله فإنه كان للصالحين محسناً وللأوابين غفوراً . وهذا يعم المخاطبين وغيرهم ، وبهذا العموم كان تذييلاً .

وهذا الأوْب يكون مطرداً ، ويكون معرضاً للتقصير والتفريط ، فيقتضي طلب الإقلاع عما يخرمه بالرجوع إلى الحالة المرضية ، وكل ذلك أوْب وصاحبه آيِب ، فصيغ له مثال المبالغة ( أواب ) لصلوحية المبالغة لقوة كيفية الوصف وقوة كميته . فالملازم للامتثال في سائر الأحوال المراقب لنفسه أواب لشدة محافظته على الأوبة إلى الله ، والمغلوب بالتفريط يؤوب كلما راجع نفسه وذكر ربه ، فهو أواب لكثرة رجوعه إلى أمر ربه ، وكل من الصالحين .

وفي قوله : { ربكم أعلم بما في نفوسكم } ما يشمل جميع أحوال النفوس وخاصة حالة التفريط وبوادر المخالفة . وهذا من رحمة الله تعالى بخلقه .

وقد جمعت هذه الآية مع إيجازها تيسيراً بعد تعسير مشوباً بتضييق وتحذير ليكون المسلم على نفسه رقيباً .