ثم قال : { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } أي : ليست هذه دليلا على محبتنا لكم ، ولا اعتنائنا بكم .
قال{[24370]} الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا كَثير ، حدثنا جعفر ، حدثنا يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{[24371]} : «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم » . [ و ]{[24372]} رواه مسلم وابن ماجة ، من حديث كثير بن هشام ، عن جعفر بن بُرْقَان ، به . {[24373]}
ولهذا قال : { إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } أي : إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح ، { فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا } أي : تضاعف{[24374]} لهم الحسنة بعشرة{[24375]} أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } أي : في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى ، ومن كل شر يُحْذَر منه .
قال{[24376]} ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فَرْوَة بن أبي المغراء الكندي ، حدثنا القاسم وعلي بن مُسْهِر ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن في الجنة لَغرفا ترى ظهورها من بطونها ، وبطونها من ظهورها » . فقال أعرابي : لمن هي ؟ قال : " لمن طيب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، [ وصلى بالليل والناس نيام ] " {[24377]} {[24378]} .
{ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى } قربة والتي إما لأن المراد وما جماعة أموالكم وأولادكم ، أو لأنها صفة محذوف كالتقوى والخصلة . وقرئ " بالذي " أي بالشيء الذي يقربكم . { إلا من آمن وعمل صالحا } استثناء من مفعول { تقربكم } ، أي الأموال والأولاد لا تقرب أحدا إلا المؤمن الصالح الذي ينفق ماله في سبيل الله ويعلم ولده الخير ويربيه على الصلاح ، أو من { أموالكم } و { أولادكم } على حذف المضاف . { فأولئك لهم جزاء الضعف } أن يجازوا الضعف إلى عشر فما فوقه ، والإضافة إضافة المصدر إلى المفعول ، وقرئ بالأعمال على الأصل وعن يعقوب رفعهما على إبدال الضعف ، ونصب الجزاء على التمييز أو المصدر لفعله الذي دل عليه لهم . { بما عملوا وهم في الغرفات آمنون } من المكاره ، وقرئ بفتح الراء وسكونها ، وقرأ حمزة " في الغرفة " على إرادة الجنس .
ثم أخبرهم بأن أموالهم وأولادهم ليست بمقربة من الله { زلفى } ، والزلفى مصدر بمعنى القرب ، وكأنه قال تقربكم عندنا تقريباً ، وقرأ الضحاك «زلَفًى » بفتح اللام وتنوين الفاء ، وقوله تعالى : { إلا من آمن } استثناء منقطع ، و { من } في موضع نصب بالاستثناء ، وقال الزجاج { من } بدل من الضمير في { تقربكم } ، وقال الفراء { من } في موضع رفع ، وتقدير الكلام ما هو المقرب إلا من آمن ، وقرأ الجمهور «جزاءُ الضعفِ » بالإضافة ، وقرأ قتادة «جزاءُ الضعفُ » برفعها ، وحكى عنه الداني «جزاءَ » بالنصب «الضعفَ » بنصب الفاء ، و { الضعف } هنا اسم جنس أي بالتضعيف إذ بعضهم يجازى إلى عشرة وبعضهم أكثر إلى سبعمائة بحسب الأعمال . ومشيئة الله تعالى فيها ، وقرأ جمهور القراء «في الغرفات » بالجمع ، وقرأ حمزة وحده «في الغرفة » على اسم الجنس يراد به الجمع ، ورويت عن الأعمش وهما في القراءة حسنتان ، قال أبو علي : وقد يجيء هذا الجمع بالألف والتاء «الغرفات » ونحوه للتكثير ومنه قول حسان بن ثابت :
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى . . . وأسيافنا يقطرن من نجدة دما{[9666]}
قال الفقيه الإمام القاضي : وتأمل نقد الأعشى في هذا البيت ، وقرأ الأعمش والحسن وعاصم بخلاف في «الغرْفات » بسكون الراء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.