تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَحۡذَرُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيۡهِمۡ سُورَةٞ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلِ ٱسۡتَهۡزِءُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخۡرِجٞ مَّا تَحۡذَرُونَ} (64)

قال مجاهد : يقولون القول بينهم ، ثم يقولون : عسى الله ألا يفشي علينا سرنا هذا .

وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى : { وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [ المجادلة : 8 ]

وقال في هذه الآية : { قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون } أي : إن الله سينزل على رسوله ما يفضحكم به ، ويبين له{[13594]} أمركم كما قال : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } إلى قوله : { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } [ محمد : 29 ، 30 ]{[13595]} ؛ ولهذا قال قتادة : كانت تسمى هذه السورة " الفاضحة " ، فاضحة المنافقين .


[13594]:- في أ : "لكم".
[13595]:- في أ : "إسرارهم" وهو خطأ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَحۡذَرُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيۡهِمۡ سُورَةٞ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلِ ٱسۡتَهۡزِءُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخۡرِجٞ مَّا تَحۡذَرُونَ} (64)

{ يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم } على المؤمنين . { سورة تنبّئهم بما في قلوبهم } وتهتك عليهم أستارهم ، ويجوز أن يكون الضمائر للمنافقين فإن النازل فيهم كالنازل عليهم من حيث إنه مقروء ومحتج به عليهم ، وذلك يدل على ترددهم أيضا في كفرهم وأنهم لم يكونوا على بت في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء . وقيل إنه خبر في معنى الأمر . وقبل كانوا يقولونه فيما بينهم استهزاء لقوله : { قل استهزؤوا إن الله مُخرج } مبرز أو مظهر . { ما تحذرون } أي ما تحذرونه من إنزال السورة فيكم ، أو ما تحذرون إظهاره من مساويكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَحۡذَرُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيۡهِمۡ سُورَةٞ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلِ ٱسۡتَهۡزِءُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخۡرِجٞ مَّا تَحۡذَرُونَ} (64)

قوله ، { يحذر } خبر عن حال قلوبهم ، وحذرهم إنما هو أن تتلى سورة ومعتقدهم هل تنزل أم لا ليس بنص في الآية لكنه ظاهر ، فإن حمل على مقتضى نفاقهم واعتقادهم أن ذلك ليس من عند الله فوجه بين ، وإن قيل إنهم يعتقدون نزول ذلك من عند الله وهم ينافقون مع ذلك فهذا كفر عناد ، وقال الزجّاج وبعض من ذهب إلى التحرز من هذا الاحتمال : معنى يحذر الأمر وإن كان لفظه لفظ الخبر كأنه يقول «ليحذر » وقرأ أبو عمرو وجماعة معه «أن تنْزَل » ساكنة النون خفيفة الزاي ، وقرأ بفتح النون مشددة الزاي الحسن والأعرج وعاصم والأعمش ، و { أن } من قوله { أن تنزل } مذهب سيبويه ، أن ، { يحذر } عامل فهي مفعوله ، وقال غيره حذر إنما هي من هيئات النفس التي لا تتعدى مثل فزع وإنما التقدير يحذر المنافقون من أن تنزل عليهم سورة{[5765]} ، وقوله { قل استهزئوا } لفظه الأمر ومعناه التهديد ، ثم ابتدأ الإخبار عن أنه يخرج لهم إلى حيز الوجود ما يحذرونه ، وفعل ذلك تبارك وتعالى في سورة براءة فهي تسمى الفاضحة لأنها فضحت المنافقين ، وقال الطبري : كان المنافقون إذ عابوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا شيئاً من أمره قالوا لعل الله لا يفشي سرنا فنزلت الآية في ذلك .

قال القاضي أبو محمد : وهذا يقتضي كفر العناد الذي قلناه .


[5765]:- هذا رأي المبرد، وكثير من العلماء لا يرون ذلك، ويقولون: إن (خاف) من هيئة النفس ومع ذلك تتعدى، ومثلها (خشي). راجع "البحر"و "حاشية الجمل".