وقوله : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا } وهذا أيضًا من لطفه تعالى بهم ، إذ أراهم إياهم قليلا في رأي العين ، فيجرؤهم عليهم ، ويطمعهم فيهم .
قال أبو إسحاق السَّبِيعي ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : لقد قُلِّلُوا في أعيننا يوم بدر ، حتى قلت لرجل إلى جانبي : تراهم سبعين ؟ قال : لا بل [ هم ]{[13031]} مائة ، حتى أخذنا رجلا منهم فسألناه ، قال{[13032]} كنا ألفا . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير{[13033]}
وقوله : { وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ } قال ابن أبي حاتم : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن الزبير بن الخرِّيت{[13034]} عن{[13035]} عكرمة : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ } قال : حضض بعضهم على بعض .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه في قوله تعالى : { لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا } أي : ليلقي بينهم الحرب ، للنقمة ممن أراد الانتقام منه ، والإنعام على من أراد تمام النعمة عليه من أهل ولايته .
ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كلا من الفريقين بالآخر ، وقلَّله في عينه ليطمع فيه ، وذلك عند المواجهة . فلما التحم القتال وأيد الله المؤمنين بألف من الملائكة مردفين ، بقي حزب الكفار يرى حزب الإيمان ضعفيه ، كما قال تعالى : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّفِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ } [ آل عمران : 13 ] ، وهذا هو الجمع بين هاتين الآيتين ، فإن كلا منها{[13036]} حق وصدق ، ولله الحمد والمنة .
{ وإذ يريكُموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا } الضميران مفعولا يرى و{ قليلا } حال من الثاني ، وإنما قللهم في أعين المسلمين حتى قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لمن إلى جنبه أتراهم سبعين فقال أراهم مائة ، تثبيتا لهم وتصديقا لرؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم . { ويقلّلكم في أعينهم } حتى قال أبو جهل : إن محمدا وأصحابه أكلة جزور ، وقللهم في أعينهم قبل التحام القتال ليجترئوا عليهم ولا يستعدوا لهم ، ثم كثرهم حتى يرونهم مثليهم لتفجأهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم ، وهذا من عظائم آيات تلك الواقعة فإن البصر وإن كان قد يرى الكثير قليلا والقليل كثيرا لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الحد ، وإنما يتصور ذلك بصد الله الإبصار عن إبصار بعض دون بعض مع التساوي في الشروط . { ليقضي الله أمرا كان مفعولا } كرره لاختلاف الفعل المعلل به ، أو لأن المراد بالأمر ثمة الاكتفاء على الوجه المحكي وها هنا إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الإشراك وحزبه . { وإلى الله تُرجع الأمور } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.