تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَعۡتَذِرُونَ إِلَيۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (94)

أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم يعتذرون إليهم ، { قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ } أي : لن نصدقكم ، { قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } أي : قد أعلمنا الله أحوالكم ، { وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } أي : سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا ، { ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }{[13789]} أي : فيخبركم بأعمالكم ، خيرها وشرها ، ويجزيكم عليها .


[13789]:- في أ : "ستردون" وهو خطأ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَعۡتَذِرُونَ إِلَيۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (94)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاّ تَعْتَذِرُواْ لَن نّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمّ تُرَدّونَ إِلَىَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره يعتذر إليكم أيها المؤمنون بالله هؤلاء المتخلفون خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، التاركون جهاد المشركين معكم من المنافقين بالأباطيل والكذب إذا رجعتم إليهم من سفركم وجهادكم قل لهم يا محمد : لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ يقول : لن نصدقكم على ما تقولون . قَدْ نَبّأنا الله مِنْ أخْبارِكُمْ يقول : قد أخبرنا الله من أخباركم ، وأعلمنا من أمركم ما قد علمنا به كذبكم . وسَيَرى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ يقول : وسيرى الله ورسوله فيما بعد عملكم ، أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه ثُمّ تُرَدّونَ إلى عالِمِ الغَيْبِ والشّهادةِ يقول : ثم ترجعون بعد مماتكم إلى عالم الغيب والشهادة يعني الذي يعلم السرّ والعلانية الذي لا يخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها . فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فيخبركم بأعمالكم كلها سيئها وحسنها ، فيجازيكم بها الحسن منها بالحسن والسيىء منها بالسيىء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَعۡتَذِرُونَ إِلَيۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (94)

استئناف ابتدائي لأن هذا الاعتذار ليس قاصراً على الذين يستأذنون في التخلف فإن الإذن لهم يُغنيهم عن التبرؤ بالحلف الكاذب ، فضمير { يعتذرون } عائد إلى أقرب معاد وهو قوله : { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } [ التوبة : 90 ] فإنهم فريق من المنافقين فهم الذين اعتذروا بعد رجوع الناس من غزوة تبوك وجعل المسند فعلاً مضارعاً لإفادة التجدد والتكرير .

و { إذا } هنا مستعملة للزمان الماضي لأن السورة نزلت بعد القفول من غزوة تبوك وجعل الرجوع إلى المنافقين لأنهم المقصود من الخبر عند الرجوع .

والخطاب للمسلمين لأن المنافقين يقصدون بأعذارهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويعيدونها مع جماعات المسلمين . والنهي في قوله : { لا تعتذروا } مستعمل في التأييس .

وجملة : { لن نؤمن } في موضع التعليل للنهي عن الاعتذار لعدم جدوى الاعتذار ، يقال : آمن له إذا صدقه . وقد تقدم في هذه السورة ( 61 ) قوله تعالى : { ويؤمن للمؤمنين }

وجملة : { قد نبأنا الله من أخباركم } تعليل لنفي تصديقهم ، أي قد نبأنا الله من أخباركم بما يقتضي تكذيبكم ، فالإبهام في المفعول الثاني ل { نبأنا } الساد مسد مفعولين تعويل على أن المقام يبينه .

و { مِن } اسم بمعنى بعض ، أو هي صفة لمحذوف تقديره : قد نبأنا الله اليقين من أخباركم .

وجملة : { وسيرى الله عملكم } عطف على جملة { لا تعتذروا } ، أي لا فائدة في اعتذاركم فإن خشيتم المؤاخذة فاعملوا الخيرَ للمستقبل فسيرى الله عملكم ورسوله إن أحسنتم ؛ فالمقصود فتح باب التوبة لهم ، والتنبيه إلى المكنة من استدراك أمرهم . وفي ذلك تهديد بالوعيد إن لم يتوبوا .

فالإخبار برُؤية الله ورسوله عملهم في المستقبل مستعمل في الكناية عن الترغيب في العمل الصالح ، والترهيب من الدوام على حالهم . والمراد : تمكنهم من إصلاح ظاهر أعمالهم ، ولذلك أردف بقوله : { ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة } ، أي تصيرون بعد الموت إلى الله . فالرد بمعنى الإرجاع ، كما في قوله تعالى : { ثم ردّوا إلى الله مولاهم الحق } في سورة الأنعام ( 62 ) .

والرد : الإرجاع . والمراد به هنا مصير النفوس إلى عالم الخلد الذي لا تصرف فيه لغير الله ولو في ظاهر الأمر . ولما كانت النفوس من خلق الله وقد أنزلها إلى عالم الفناء الدنيوي فاستقلت بأعمالها مدة العمر كان مصيرها بعد الموت أو عند البعث إلى تصرف الله فيها شبيهاً برد شيء إلى مقره أو إرجاعه إلى مالكه .

والغيب : ما غاب عن علم الناس . والشهادة : المشاهدة . واللام في { الغيب } و { الشهادة } للاستغراق ، أي كل غيب وكل شهادة .

والعدول عن أن يقال : لم تردون إليه ، أي إلى الله ، لما في الإظهار من التنبيه على أنه لا يعزب عنه شيء من أعمالهم ، زيادة في الترغيب والترهيب ليعلموا أنه لا يخفى على الله شيء .

والإنباء : الإخبار . وما كنتم تعملون : علم كل عمل عملوه .

واستعمل { فينبئكم بما كنتم تعملون } في لازم معناه ، وهو المجازاة على كل ما عملوه ، أي فتجدونه عالماً بكل ما عملتموه . وهو كناية ؛ لأن ذكر المجازاة في مقام الإجرام والجناية لازم لعموم علم مَلك يوم الدين بكل ما عملوه .