تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ قَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (24)

يقول تعالى : وإذا قيل لهؤلاء المكذبين : { مَاذَا أَنزلَ رَبُّكُمْ قَالُوا } معرضين عن الجواب : { أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ } أي : لم ينزل شيئًا ، إنما هذا الذي يتلى علينا أساطير الأولين ، أي : مأخوذ من كتب المتقدمين ، كما قال تعالى : { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا } [ الفرقان : 5 ] أي : يفترون على الرسول ، ويقولون [ فيه ]{[16385]} أقوالا مختلفة متضادة{[16386]} ، كلها باطلة{[16387]} كما قال تعالى : { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا } [ الفرقان : 9 ] ، وذلك أن كل من خرج عن الحق فمهما قال أخطأ ، وكانوا يقولون : ساحر ، وشاعر ، وكاهن ، ومجنون . ثم استقر أمرهم إلى ما اختلقه لهم شيخهم الوحيد المسمى بالوليد بن المغيرة المخزومي ، لما { فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ } [ المدثر : 18 - 24 ] أي : ينقل ويحكى ، فتفرقوا عن قوله ورأيه ، قبحهم الله .


[16385]:زيادة من ت، ف، أ.
[16386]:في ت، ف ،: "متضادة مختلفة".
[16387]:في ت، ف، أ: "باطل".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ قَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (24)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مّاذَآ أَنْزَلَ رَبّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالاَخرة من المشركين : ماذَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ أيّ شيء أنزل ربكم ؟ قالوا : الذي أنزل ما سطّره الأوّلون من قبلنا من الأباطيل . وكان ذلك كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ماذَا أنْزَلَ رَبّكُمْ قالُوا أساطِيرُ الأوّلِينَ يقول : أحاديث الأوّلين وباطلهم ، قال ذلك قوم من مشركي العرب كانوا يقعدون بطريق من أتى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا مرّ بهم أحد من المؤمنين يريد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا لهم : أساطير الأوّلين ، يريد : أحاديث الأوّلين وباطلهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أساطِيرُ الأوّلِينَ يقول : أحاديث الأوّلين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ قَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (24)

وقوله { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم } الآية ، الضمير في { لهم } لكفار مكة ، ويقال إن سبب الآية كان النضر بن الحارث ، سافر عن مكة إلى الحيرة وغيرها ، وكان قد اتخذ كتب التواريخ والأمثال ككليلة ودمنة ، وأخبار السندباد ، ورستم ، فجاء إلى مكة ، فكان يقول : إنما يحدث محمد بأساطير الأولين ، وحديثي أجمل من حديثه ، وقوله { ماذا } يجوز أن تكون «ما » استفهاماً ، و «ذا » بمعنى الذي ، وفي { أنزل } ضمير عائد ، ويجوز أن يكون «ما » و «ذا » اسماً واحداً مركباً ، كأنه قال : أي شيء وقوله { أساطير الأولين } ليس بجواب على السؤال لأنهم لم يريدوا أنه نزل شيء ولا أن تم منزلاً ، ولكنهم ابتدوا الخبر بأن هذه { أساطير الأولين } ، وإنما الجواب على السؤال ، قول المؤمنين في الآية المستقبلة

{ خيراً } [ النحل : 30 ] وقولهم : { أساطير الأولين } إنما هو جواب بالمعنى ، فأما على السؤال وبحسبه فلا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ قَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (24)

و { إذا قيل لهم } عطف على جملة { قلوبهم منكرة } [ سورة النحل : 22 ] ، لأن مضمون هذه من أحوالهم المتقدم بعضُها ، فإنه ذُكر استكبارهم وإنكارهم الوحدانية ، وأتبع بمعاذيرهم الباطلة لإنكار نبوءة محمد وبصدّهم الناس عن اتّباع الإسلام . والتقدير : قلوبهم منكرة ومستكبرة فلا يعترفون بالنبوءة ولا يخلّون بينك وبين من يتطلب الهدى ، مضلّون للناس صادّونهم عن الإسلام .

وذكر فعل القول يقتضي صدوره عن قائل يسألهم عن أمر حدث بينهم وليس على سبيل الفرض ، وأنهم يجيبون بما ذكر مكراً بالدين وتظاهراً بمظهر الناصحين للمسترشدين المستنصحين بقرينة قوله تعالى : { ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم } [ سورة النحل : 25 ] .

و { إذا } ظرف مضمّن معنى الشّرط . وهذا الشّرط يؤذن بتكرّر هذين القولين . وقد ذكر المفسرون أن قريشاً لما أهمّهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم ورأوا تأثير القرآن في نفوس الناس ، وأخذ أتباع الإسلام يكثرون ، وصار الواردون إلى مكّة في موسم الحجّ وغيره يسألون الناس عن هذا القرآن ، و ماذا يدعو إليه ، دبّر لهم الوليد بن المغيرة معاذير واختلاقاً يختلقونه ليقنعوا السّائلين به ، فندب منهم ستة عشر رجلاً بعثهم أيام الموسم يقعدون في عقبات مكّة وطرقها التي يرد منها الناس ، يقولون لمن سألهم : لا تغترّوا بهذا الذي يدّعي أنه نبيّ فإنه مجنون أو ساحر أو شاعر أو كاهن ، وأن الكلام الذي يقوله أساطير من أساطير الأولين اكتتبها . وقد تقدم ذلك في آخر سورة الحِجر . وكان النضر بن الحارث يقول : أنا أقرأ عليكم ما هو أجمل من حديث محمد أحاديثَ رُسْتُمَ وإِسْفَنْدِيَارَ . وقد تقدّم ذكره عند قوله تعالى : { ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } في سورة الأنعام ( 93 ) .

ومساءلة العرب عن بعث النبي كثيرة واقعة . وأصرحها ما رواه البخاري عن أبي ذرّ أنه قال : كنت رجلاً من غفار فبلَغَنَا أْن رجلاً قد خرج بمكّة يزعم أنه نبيء ، فقلت لأخِي أُنَيْسٍ : انطلقْ إلى هذا الرجل كلّمْه وائتني بخبره ، فانطَلَق فلقيَه ثم رجع ، فقلتُ : ما عندك ؟ فقال : والله لقد رأيتُ رجلاً يأمر بالخير وينهى عن الشرّ . فقلتُ : لم تشفني من الخبر ، فأخذتُ جراباً وعصاً ثم أقبلت إلى مكّة فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه ، وأشربُ من ماء زمزم وأكون في المسجد . . . إلى آخر الحديث .

وسؤال السّائلين لطلب الخبر عن المنزل من الله يدلّ على أن سؤالهم سؤال مسترشد عن دعوى بلغتهم وشاع خبرها في بلاد العرب ، وأنهم سألوا عن حسن طويّة ، ويصُوغون السؤال عن الخبر كما بلغتهم دعوتُه .

وأما الجواب فهو جوابٌ بليغ تضمّن بيان نوع هذا الكلام ، وإبطال أن يكون منزلاً من عند الله لأن أساطير الأولين معروفة والمنزّل من عند الله شأنه أن يكون غير معروف من قبل .

و { ماذا } كلمة مركبة من ( ما ) الاستفهامية واسم الإشارة ، ويقع بعدها فعل هو صلة لموصول محذوف ناب عنه اسم الإشارة . والمعنى : ما هذا الذي أنزل .

و ( ما ) يستفهم بها عن بيان الجنس ونحوه . وموضعها أنها خبر مقدّم . وموضع اسم الإشارة الابتداءُ . والتقدير : هذا الذي أنزل ربكم ما هو . وقد تسامح النحويون فقالوا : إن ( ذا ) من قولهم ( ماذا ) صارت اسم موصول . وتقدم عند قوله تعالى : { يسألونك ماذا ينفقون } في سورة البقرة ( 215 ) .

{ وأساطير الأولين } خبر مبتدأ محذوف دلّ عليه ما في السؤال . والتقدير : هو أساطير الأوّلين ، أي المسؤول عنه أساطير الأوّلين .

ويعلم من ذلك أنه ليس منزّلاً من ربهم لأن أساطير الأوّلين لا تكون منزّلة من الله كما قلناه آنفاً . ولذلك لم يقع { أساطير الأولين } منصوباً لأنه لو نصب لاقتضى التقدير : أنزل أساطير الأولين ، وهو كلام متناقض . لأن أساطير الأولين السابقة لا تكون الذي أنزل الله الآن .

والأساطير : جمع أسطار الذي هو جمع سطر . فأساطير جمع الجمع . وقال المبرّد : جمع أسطورة بضم الهمزة كأرجوحة . وهي مؤنثة باعتبار أنها قصة مكتوبة . وهذا الذي ذكره المبرّد أولى لأنها أساطير في الأكثر يعني بها القصص لا كل كتاب مسطور . وقد تقدّم عند قوله تعالى : { يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأوّلين } في سورة الأنعام ( 25 ) .