وأعاد{[13284]} الضمير في قوله : { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } عليهم أيضا .
وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة مؤذنٍ لعمر بن عبد العزيز ، رضي الله عنه ، عن مسلم بن يسار ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غضبت أخذ بأنفها ، وقال : " يا عويش ، قولي : اللهم ، رب النبي محمد{[13285]} اغفر ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن " .
ساقه من طريق أبي أحمد الحاكم ، عن الباغندي ، عن هشام بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الجون عنه{[13286]}
{ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ } أي : من عباده ، { وَاللَّهُ عَلِيمٌ } أي : بما يصلح عباده ، { حَكِيمٌ } في أفعاله وأقواله الكونية والشرعية ، فيفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، وهو العادل الحاكم الذي لا يجور أبدا ، ولا يضيع مثقال ذرة من خير وشر ، بل يجازي عليه في الدنيا والآخرة .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَىَ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : قاتلوا أيها المؤمنون بالله ورسوله هؤلاء المشركين الذين نكثوا أيمانهم ونقضوا عهودهم بينكم وبينهم ، وأخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم . يُعَذّبْهُمُ اللّهُ بأيْدِيكُم يقول : يقتلهم الله بأيديكم . ويُخْزِهِمْ يقول : ويذلهم بالأسر والقهر . وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ فيعطيكم الظفر عليهم والغلبة . وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ يقول : ويبرىء داء صدور قوم مؤمنين بالله ورسوله بقتل هؤلاء المشركين بأيديكم وإذلالكم وقهركم إياهم ، وذلك الداء هو ما كان في قلوبهم عليهم من الموجدة بما كانوا ينالونهم به من الأذى والمكروه . وقيل : إن الله عنى بقوله : وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ : صدور خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن قريشا نقضوا العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعونتهم بكرا عليهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى وابن وكيع قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد في هذه الآية : وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ قال : خزاعة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن أسباط ، عن السديّ : وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ قال خزاعة يشف صدورهم من بني بكر .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ خزاعة حلفاء محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد : وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ قال : حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خزاعة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
يقول الله تعالى ذكره : ويذهب وجد قلوب هؤلاء القوم المؤمنين من خزاعة ، على هؤلاء القوم الذين نكثوا أيمانهم من المشركين وغمها وكربها بما فيها من الوجد عليهم ، بمعونتهم بكرا . كما :
حدثني ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن أسباط ، عن السديّ : وَيُذْهبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ حين قتلهم بنو بكر وأعانتهم قريش .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، مثله ، إلا أنه قال : وأعانهم عليهم قريش .
وأما قوله : وَيَتُوبُ اللّهُ على مَنْ يَشاءُ فإنه خبر مبتدأ ، ولذلك رفع وجزم الأحرف الثلاثة قبل ذلك على وجه المجازاة ، كأنه قال : قاتلوهم فإنكم إن تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ، ويخزهم ، وينصركم عليهم . ثم ابتدأ فقال : وَيَتُوبُ اللّهُ على مَنْ يَشاءُ لأن القتال غير موجب لهم التوبة من الله ، وهو موجب لهم العذاب من الله والخزي وشفاء صدور المؤمنين وذهاب غيظ قلوبهم ، فجزم ذلك شرطا وجزاءً على القتال ، ولم يكن موجبا القتال التوبة ، فابُتِدىء الحكم به ورُفع .
ومعنى الكلام : ويمنّ الله على من يشاء من عباده الكافرين ، فيقبل به إلى التوبة بتوفيقه إياه ، والله عليم بسرائر عباده ومن هو للتوبة أهل فيتوب عليه ، ومن منهم غير أهل لها فيخذله ، حكيم في تصريف عباده من حال كفر إلى حال إيمان بتوفيق من وفقه لذلك ، ومن حال إيمان إلى كفر بخذلانه من خذل منهم عن طاعته وتوحيده ، وغير ذلك من أمرهم .
وقرأ جمهور الناس «ويُذهب غيظ قلوبهم » على إسناد الفعل إلى الله عز وجل ، وقرأت فرقة «ويَذهب غيظ قلوبهم » على إسناد الفعل إلى الغيظ ، وقرأ جمهور الناس «يتوبُ » بالرفع على القطع مما قبله ، والمعنى أن الآية استأنفت الخبر بأنه قد يتوب على بعض هؤلاء الكفرة الذين أمر بقتالهم ، قال أبو الفتح : وهذا أمر موجود سواء قوتلوا أو لم يقاتلوا ، فلا وجه لإدخال التوبة في جواب الشرط الذي في { قاتلوهم } على قراءة النصب ، وإنما الوجه الرفع على الاستئناف والقطع ، وقرأ الأعرج وابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي وعمرو بن عبيد وأبو عمرو فيما روي عنه «ويتوبَ » بالنصب على تقدير وأن يتوب ، ويتوجه ذلك عندي إذا ذهبت إلى أن التوبة إنما يراد بها هنا أن قتل الكافرين والجهاد في سبيل الله هو توبة لكم أيها المؤمنون وكمال لإيمانكم ، فتدخل التوبة على هذا في شرط القتال{[5551]} ، و { عليم حكيم } صفتان نسبتهما إلى الآية واضحة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.