قال الله تعالى متهددا لهم ومتوعدا : { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ } أي : كيف يكون حالهم وقد افتروا على الله وكذبوا رسله وقتلوا أنبياءه والعلماء من قومهم ، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، والله تعالى سائلهم عن ذلك كله ، ومحاسبهم عليه ، ومجازيهم به ؛ ولهذا قال : { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ } لا شك في وقوعه وكونه { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } .
{ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفّيَتْ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }
يعني بقوله جلّ ثناؤه : { فَكَيْفَ إذَا جَمَعْناهُمْ } فأيّ حال يكون حال هؤلاء القوم الذين قالوا هذا القول ، وفعلوا ما فعلوا من إعراضهم عن كتاب الله واغترارهم بربهم ، وافترائهم الكذب . وذلك من الله عزّ وجلّ وعيد لهم شديد ، وتهديد غليظ . وإنما يعني بقوله : { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ } . . . الاَية : فما أعظم ما يلقون من عقوبة الله وتنكيله بهم إذا جمعهم ليوم يوفى كل عامل جزاء عمله على قدر استحقاقه غير مظلوم فيه ، لأنه لا يعاقب فيه إلا على ما اجترم ، ولا يؤاخذ إلا بما عمل ، يجزي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، لا يخاف أحد من خلقه يومئذ ظلما ولا هضما .
فإن قال قائل : وكيف قيل : { فَكَيْفَ إذَا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبٍ فِيهِ } ولم يقل : في يوم لا ريب فيه ؟ قيل : لمخالفة معنى اللام في هذا الموضع معنى في ، وذلك أنه لو كان مكان اللام «في » لكان معنى الكلام : فكيف إذا جمعناهم في يوم القيامة ماذا يكون لهم من العذاب والعقاب ، وليس ذلك المعنى في دخول اللام ، ولكن معناه مع اللام ، فكيف إذا جمعناهم لما يحدث في يوم لا ريب فيه ، ولما يكون في ذلك اليوم من فصل الله القضاء بين خلقه ، ماذا لهم حينئذ من العقاب وأليم العذاب ؟ فمع اللام في : { لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ } نية فعل وخبر مطلوب قد ترك ذكره ، أجزأت دلالة دخول اللام في اليوم عليه منه ، وليس ذلك مع «في » فلذلك اختيرت اللام فأدخلت في «ليوم » دون «في » .
وأما تأويل قوله : { لا رَيْبَ فِيهِ } فإنه لا شكّ في مجيئه ، وقد دللنا على أنه كذلك بالأدلة الكافية ، مع ذكر من قال ذلك في تأويله فيما مضى بما أغنى عن إعادته . وعنى بقوله : { وَوُفّيَتْ } ووفى الله { كلّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ } يعني ما عملت من خير وشرّ ، { وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } يعني أنه لا يبخس المحسن جزاء إحسانه ، ولا يعاقب مسيئا بغير جرمه .
{ فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه } استعظام لما يحيق بهم في الآخرة وتكذيب لقولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودات . روي : أن أول راية ترفع يوم القيامة من رايات الكفار راية اليهود فيفضحهم الله تعالى على رؤوس الأشهاد ثم يأمر بهم إلى النار . { ووفيت كل نفس ما كسبت } جزاء ما كسبت . وفيه دليل على أن العبادة لا تحبط وأن المؤمن لا يخلد في النار ، لأن توفية إيمانه وعمله لا تكون في النار ولا قبل دخولها ، فإذن هي بعد الخلاص منها { وهم لا يظلمون } الضمير لكل نفس على المعنى لأنه في معنى كل إنسان .
قوله : { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه } تفريع عن قوله : { وغرهم في دينهم } أي إذا كان ذلك غروراً فكيف حالهم أو جزاؤهم إذا جمعناهم ووفيناهم جزاءهم والاستفهام هنا مستعمل في التعجيب والتفظيع مجازاً .
« وكيف » هنا خبر لمحذوف دل على نوعه السياق ، و { إذا } ظرف منتصب بالذي عمِلَ في مظروفه : وهو ما في كيف من معنى الاستفهام التفظيعي كقولك : كيف أنت إذا لقيت العدوّ ، وسيجيء زيادة بيان لمثل هذا التركيب عند قوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد } في سورة [ النساء : 41 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.